بتصحيح الترمذي، والحاكم له، كما قلدهما الشيخ محيي الدين -يعني النووي في "مجموعه" جـ 4 ص 109 - في ذلك. وبالله التوفيق.

فإذا عرفت هذه الأحاديث، فالكلام الآن في مآخذ الأئمة في العمل بها.

أما داود فلم يَتَعَدَّها، ولم يقل بمشروعية سجود السهو في غير ما ورد في الأحاديث كما تقدم، جريًا على عادته في الظاهرية، وفصّل السجودَ فيها قبل السلام وبعده حسبما ورد في الأحاديث المتقدمة.

وأما باقي الأئمة، فإنهم عَدَّوُا الحكمَ إلى غيرها، لعدم الفارق، وقوة المقتضي للإلحاق، بل لو قيل بأن ذلك من باب الأمة والعبد في العتقال في قُطع فيه بنفي الفارق لم يكن بعيدًا لأنه من المعلوم أنه لا فرق بين زيادة فعل وفعل في الصلاة، ولا بين السلام من اثنتين، والسلام من ثلاث في الرباعية، ولا بين السهو في الصبح والظهر، فالاقتصار على ما ورد في الحديث ظاهر البطلان.

ثم اختلف الأئمّة في كيفية العمل بهذه الأحاديث:

فأبو حنيفة، والشافعي رحمهما الله سلكا مسلك الترجيح بينها، وردّ بعضها إلى بعض.

ومالك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه سلكوا مسلك الجمع بين جميع الأحاديث، والعمل بكلها.

فأما أبو حنيفة -رحمه الله-، فإنه اعتمد حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا شك أحدكم في صلاته، فليتحرّ الصواب، فليتمّ عليه، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين".

وقد تقدم الحديث، وأنه صحيح بهذه الزيادة، وانضمّ إلى ذلك فعله - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث ذي اليدين، وما تابعها من رواية أبي هريرة، وعمران بن حصين، وغيرهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد بعد التسليم، واحْتُجّ له أيضًا بأحاديث أُخر قولية صرّح فيها بالسجود بعد التسليم.

منها: حديث عبد الله بن جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من شكّ في صلاه، فليسجد سجدتين بعد ما يسلم". أخرجه أبو داود، والنسائي من حديث ابن جريج، عن عبد الله بن مسافع، عن مُصعب بن شيبة، عن عُتبة بن محمد بن الحارث، عن عبد الله بن جعفر.

وعُتبة هذا ذكره ابن حبان في "الثقات"، ولم يضعّفه أحد.

قال العلائي: وكذلك لم أر أحدًا ضعف عبدَ الله بن مسافع، ولا من وثّقه، ولكنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015