واحد، وقع الاختلاف فيه على بعض الرواة، لا سيما إذا كان ذلك في سياقة واقعة يبعد أن يتعدد مثلها في الوقوع، كحديث أبي هريرة وحده في قصة السهو.

فالذي يسلكه كثير من الفقهاء أن يحمل اختلاف الألفاظ على تعدد الوقائع، ويُجعل كلُّ لفظ بمنزلة حديث مستقلّ، وهذه الطريقة يسلكها الشيخ محيي الدين -رحمه الله- في كتبه كثيرًا، كما تقدم عنه من جعله حديث أبي هريرة الذي نتكلم عليه وقع مرتين للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أحدهما في صلاة الظهر، والآخر في العصر من أجل صحة كلّ من اللفظين، حتى إنه قال في حديث ابن عمر: أن عمر - رضي الله عنه - كان نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه، فأمره أن يفي بنذره، وجاء في رواية: اعتكاف يوم، وكلاهما في الصحيح.

فقال الشيخ محيي الدين -رحمه الله-: هما واقعتان، وكان على عمر - رضي الله عنه - نذران، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذا مرّة، وعن الآخر مرّة أخرى، واستدلّ بذلك على صحة الاعتكاف بغير الصوم، لأن عمر - رضي الله عنه - اعتكف ليلة وحدها.

قال العلائي: وفي هذا القول نظر لا يخفى، لأنه من البعيد جدًا أن يستفتي عمر - رضي الله عنه - النبي - صلى الله عليه وسلم - في شيء واحد مرتين في أيام يسيرة لا ينسى في مثلها، لأن في كل من القصتين أن ذلك كان عقب غزوة حُنين، أيام تفرقة السبي، ثم إعتاقهم.

وإلحاق اليوم بالليلة فى حكم الاعتكاف المنذور من الأمر الجلي الذي يقطع بنفي الفارق، كما في الأمة والعبد في العتق، ولا يظن بعمر - رضي الله عنه - أنه يخفى عليه ذلك.

والذي يقتضيه التحقيق ردّ إحدى الروايتين إلى الأخرى، بأن كل من قال لفظًا عبّر به عن المجموع، وهو أمر يُستَعمَل كثيرًا في كلام العرب أن تُطلق اليوم، وتريد به بلليلته، وبالعكس.

فكان على عمر - رضي الله عنه - اعتكاف يوم وليلة، سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه، فأمره بالوفاء به، عبّر عنه بعض الرواة بيوم، وأراد بليلته، والآخر بليلة وأراد بيومها.

وأغرب من ذلك ما ذكره الشيخ محيي الدين -رحمه الله- أيضا في حديث: "بني الإسلام على خمس"، لأنه جاء في "الصحيح" أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت"، فقال رجل: "وحج البيت، وصوم رمضان"؟، فقال ابن عمر - رضي الله عنهما -: لا، "وصوم رمضان، وحج البيت"، هكذا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ثم جاء الحديث في "الصحيح" أيضا من رواية ابن عمر، ولفظه: "وحج البيت، وصوم رمضان".

فقال الشيخ محيي الدين: هذا محمول على أن ابن عمر - رضي الله عنهما - سمع الحديث من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015