المسألة السابعة:
تقدم في ألفاظ طرق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - تباينٌ في مواضع عديدة، لا يمكن الجمع بينها، والكلّ في الصحيح، وترتب عليها فوائد فقهية مما اختلف فيه العلماء.
ففي بعض الطرق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لذي اليدين: "لم أَنْسَ، ولم تُقصَر"، فقال ذو اليدين بعد ذلك: بلى قد نسيتَ، ولم تُذكَر هذه الزيادة في كثير من الروايات.
وفي رواية أخرى، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كل ذلك لم يكن", فقال ذو اليدين: قد كان بعض ذلك يا رسول الله.
وفي رواية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للناس: "ما يقول ذو اليدين؟ " قالوا: صدق يا رسول الله، لم تُصلِّ إلا ركعتين.
وفي رواية أخرى: فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الناس، فقال: "أصدق ذو اليدين؟ "، فقالوا: نعم يا رسول الله. وفي رواية أخرى: فأومؤوا: أي نعم.
وقد جمع بعض الأئمة بين هاتين الروايتين بأن بعض الناس أجاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بقول "نعم" باللفظ، وبعضهم أجابه بالإيماء.
وهذا الجمع إنما يقوى إذا كان الاختلاف واقعًا من رواية صحابيين،، فنقول سمع أحدهما الإجابة باللفظ، والآخر رأى الذين أومأوا ولم يسمع المجيب باللفظ، وهذا الحديث بهذه الألفاظ مداره على أبي هريرة - رضي الله عنه -.
والظاهر أن القصة واحدة، ولكن الرواة تصرّفوا فيها، فرواه بعضهم بالمعنى على نحو مما سمع، فحصلت هذه الاختلافات.
فيتعين حينئذ إما الجمع بينها بوجه مّا، وإما الترجيح، وهذا يتعلق بقاعدة شريفة عظيمة الجَدْوَى في علم الحديث، وهي: الاختلاف الواقع في المتون بحسب الطرق، وردّ بعضها إلى بعض، إما بتقييد الإطلاق، أو تفسير المجمل، أو الترجيح حيث لا يمكن الجمع، أو اعتقاد كونها وقائع متعددة.
قال العلائي رحمه الله تعالى: ولم أجد إلى الآن أحدًا من الأئمة الماضين شفَى النفس في هذا الموضع بكلام جامع يُرجَع إليه، بل إنما يوجد عنهم كلمات متفرّقة، وللبحث فيها مجال طويل.
فنقول -وبالله التوفيق-: إذا اختلفت مخارج الحديث، وتباعدت ألفاظه، فالذي ينبغي أن يجعلا حديثين مستقلين، وذلك كحديث أبي هريرة، وعمران بن حصين، ومعاوية بن حُدَيج في هذا الباب، كما سبق بيانه، وهذا لا إشكال فيه.
وأما إذا اتحد مخرج الحديث، وتقاربت ألفاظه، فالغالب حينئذ على الظنّ أنه حديث