حسين، فإنه كثير الغلط والوهم، لا يعتدّ بخلافه.
ومما يدلّ على ذلك أن في كل واحدة من هاتين الروايتين أعني حديث معمر عن أيوب، وحديث عمران بن أبي أنس، عن أبي سلمة: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أصدق ذو اليدين؟ "، فعاد إلى الصواب في تسميته في الحديث نفسه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
الطريق الثاني:
الجمع بين هذه الروايات كلها بجعلها واقعتين:
إحداهما: قبل بدر، والمتكلم فيها ذو الشمالين، ولم يشهدها أبو هريرة - رضي الله عنه -، بل أرسل روايتها.
والثانية: كان حاضرًا فيها، والمتكلم يومئذ ذو اليدين، وهذه الطريق حكاها القاضي عياض -رحمه الله- في "الإكمال"، واختارها لما فيها من الجمع بين الروايات كلها، ونفي الغلط والوهم عن مثل الزهري، وفيهما نظر من جهة ما تقدم في رواية يونس عن ابن شهاب: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال فيها: فقال ذو الشمالين، فإنه لا يمكن الجمع بين هاتين اللفظتين، كما تقدم من قتل ذي الشمالين ببدر، وإسلام أبي هريرة بعد ذلك بسنين كثيرة، اللَّهم إلا أن يكون الوهم في هذه الرواية جاء في قوله: صلى بنا من بعض الرواة.
وعلى كلّ تقدير فذو اليدين الذي كان حاضرًا مع أبي هريرة قصة السهو غير ذي الشمالين هذا بلا ريب فيه، بقي النظر في أنه هل هو الخرباق المتكلم في حديث عمران ابن حُصين أو غيره؟.
الذي اختاره القاضي عياض، وابن الأثير في "شرح مسند الشافعي"، والشيخ محيي الدين في غير ما موضع أنهما واحد.
وأما أبو حاتم ابن حبان، فإنه جعلهما اثنين، فقال في "معجم الصحابة" من كتابه "الثقات": الخرباق صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث سها، وهو غير ذي اليدين، وقال بعد ذلك: ذو اليدين صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث سها، لم يزد.
وأما ابن عبد البرّ، فقال في كتابيه: يحتمل أن يكون الخرباق ذا اليدين، ويحتمل أن يكون غيره، فيكونان اثنين. وكذلك قال أبو العباس القرطبي وغيره. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة السادسة:
في بيان طرق هذا الحديث، وما اشتمل عليه من الألفاظ، وبيان من تابع أبا هريرة، وعمران بن حصين - رضي الله عنهما - على هذه القصة، وبيان تعددها، وأنها ليست واقعة واحدة