غاية في الذل والانكسار وتعفير الوجه، وهذه الحالة أحب أحوال العبد، كما رواه الطبراني في "الكبير" بسند حسن عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، ولأن السجود أول عبادة أمر الله تعالى بها بعد خلق آدم - عليه السلام -، فالمتقرب بها أقرب، ولأن فيه مخالفة إبليس في أول ذنب عصى الله به.

وقال القرطبي: هذا أقرب بالرتبة والكرامة، لا المسافة والمساحة، لأنه تعالى منزه عن المكان والزمان.

وقال البدر ابن الصاحب في "تذكرته": في الحديث إشارة إلى نفي الجهة عن الله تعالى، وأن العبد في الانخفاض يكون أقرب إلى الله تعالى. انتهى.

قال السندي. قلت: بني ذلك على أن الجهة المتوهم ثبوتها له تعالى جهة العلو، والحديث يدلّ على نفيها، وإلا فالجهة السفلى لا ينافيها هذا الحديث، بل يوهم ثبوتها، بل قد يبحث في نفي الجهة العليا بأن القرب إلى العالي يمكن حالة الانخفاض بنزول العالي إلى المنخفض، كما جاء نزوله تعالى كل ليلة إلى السماء، على أن المراد القرب مكانةً، ورتبةً، وكرامةً، لا مكانا، فلا تتم الدلالة أصلا، ثم الكلام في دلالة الحديث على نفي الجهة، وإلا فكونه تعالى منزها عن الجهة معلوم بأدلته. والله تعالى أعلم. انتهى كلام السندي.

قال الجامع عفا الله تعالى عه: في قول السندي -رحمه الله-: فكونه تعالى منزها عن الجهة معلوم بأدلته. نظر، إذ الأدلة تدل على أنه تعالى في جهة العلو، كقوله - صلى الله عليه وسلم - للجارية: "أين الله؟ " قالت: في السماء. وقد حققت هذا الموضوع في غير موضع من هذا الشرح، فاستفد منه. والله تعالى أعلم.

(فأكثروا الدعاء) أي في السجود، وفيه الأمر بالإكثار من الدعاء في حال السجود، لكون العبد فيه أقرب من ربه، فيكون حقيقا بالإجابة، وقد تقدم في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا -152/ 1120 - : "وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء، فإنه قَمِنٌ أن يستجاب لكم".

وفيه دليل لمن يقول: إن كثرة السجود أفضل من طول القيام، وسائر الأركان، وسيأتي تحقيق القول فيه في المسألة الرابعة، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته:

حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا أخرجه مسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015