وأرادت عائشة رضي الله عنها بهذا الإشارةَ إلى كثرة معاناته عليه الصلاة والسلام التعَبَ والكربَ عند نزول الوحي، وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا ورد عليه الوحي يجد له مشقة، ويغشاه الكرب، لثقل ما يُلقَى عليه، قال تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5]، ولذلك كان يعتريه مثل حال المحموم، كما روي "أنه كان يأخذه عند الوحي الرُّحَضَاء" (?). أي البُهْرُ (?) والعرق من الشدة، وأكثر ما يسمى به عرق الحُمَّى، ولذلك كان جبينه يتفصد عَرَقا، وإنما كان ذلك ليبلو صبره، ويحسن تأديبه، فيرتاض لاحتمال ما كلفه من أعباء النبوة.
وقد ذكر البخاري رحمه الله في حديث يعلى بن أمية: "فأدخل رأسه، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُحْمَرٌّ وجهه، وهو يغطّ، ثم سُري عنه".
ومنه في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: "كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه كُرِب لذلك، وتَرَبَّدَ وجهه". وفي حديث الإفك، "قالت عائشة رضي الله عنها: فأخذه ما كان يأخذه من البُرَحَاء (?) عند الوحي، حتى إنه لينحدر منه مثل الجُمَان من العرق في اليوم الشَّاتِي، من ثقل الوحي الذي ينزل عليه". أفاده العيني رحمه الله