قوله: (هذا أمر كتبه الله علي بنات آدم) أي الحيض أمر أثبته الله عز وجل على النساء، من أولاد آدم، أراد - صلى الله عليه وسلم - بهذا تسلية عائشة حيث إنها بكت، كالمقصّرة في ذلك فكأنه يقول لها: لا تقصير منك, لأنه مما كتبه الله على النساء كلهن، فلا لوم عليك.
فإن قيل: هذا الحديث يعارضه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعا، فكانت المرأة تتشرف للرجل، فألقى الله
عليهن الحيض، ومنعهن المساجد" فإنه يدل على أن ابتداء الحيض من بني إسرائيل، وحديث الباب يدل على أنه علي بنات آدم عموما.
أجيب بأنه لا تعارض بينهما، فإن نساء بني إسرائيل من بنات آدم فيكون قوله "علي بنات آدم" عاما أريد به الخصوص، قاله الداودي.
وقال الحافظ: ويمكن الجمع مع القول بالتعميم بأن الذي أُلقيَ على نساء بني إسرائيل طول مكثه بهن عقوبة لهن، لا ابتداء وجوده، وقد روى ابن جرير وغيره، عن ابن عباس في قوله تعالى في قصة إبراهيم: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} [هود: آية 71] أي حاضت، والقصة متقدمة علي بني إسرائيل بلا ريب. وروى ابن المنذر والحاكم بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن ابتداء الحيض كان على
حواء بعد أن أهبطت من الجنة. أفاده في الفتح (?).
* * *
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".