[أجيب]: بأن روايته إنما صحّت لموافقتها روايات الثقات عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما، كما سيذكرها المصنّف بعدُ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
ثم ذكر روايات الثقات عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما التي صرح فيها بتحريم كل ما أسكر، فَقَالَ:
5690 - (أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ الْجَرْمِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ عَنِ الْبَاذَقِ، فَقَالَ: سَبَقَ مُحَمَّدٌ الْبَاذَقَ، وَمَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ، قَالَ: أَنَا أَوَّلُ الْعَرَبِ سَأَلَهُ).
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: "سفيان": هو ابن عيينة. و"أبو الجويرية" -بالتصغير: هو حطّان بن خُفاف البصريّ، ثقة مشهور بكنيته [2].
[تنبيه]: هَذَا الإسناد منْ رباعيّات المصنّف رحمه الله تعالى، وهو (276) منْ رباعيات الكتاب، وهو آخر رباعياته فيه. والله تعالى أعلم.
وقوله: "عن البذاق": تقدّم أنه فارسيّ معرّب: معناه الطلاء، وهو ما طُبخ منْ العصير حَتَّى يصير مثل طلاء الإبل، وقيل: هو المطبوخ منْ عصير العنب إذا أسكر.
وقوله: "أنا أول العرب سأله": الظاهر أنه منْ كلام ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما، ويحتمل أن يكون منْ كلام أبي الجويرية.
والحديث أخرجه البخاريّ فِي "الأشربة" 5598 وَقَدْ تقدّم فِي 24/ 5608 - ومضى شرحه، وبيان مسائله هناك.
والحديث واضح فيما أراده المصنّف رحمه الله تعالى منْ ترجيح رواية أبي عون هذه: أن الصحيح عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما لفظ: "وما أسكر منْ كل شراب"، لا لفظ: "والسكر منْ كل شراب"، قَالَ إسماعيل القاضي رحمه الله تعالى فِي "أحكام القرآن": هَذَا الأثر عن ابن عبّاس يضعّف الأثر المرويّ عنه "حرّمت الخمر بعينها ... " الْحَدِيث، ثم أسند عن ابن عبّاس، قَالَ: "ما أسكر كثيره، فقليله حرام"، وأخرج البيهقيّ منْ طريق إسحاق ابن راهويه بسند صحيح إلى يحيى بن عبيد، أحد الثقات، عن ابن عبّاس، قَالَ: "لا تُحلّ النار شيئاً، ولا تحرّمه"، وزاد فِي رواية أخرى عن يحيي بن عبيد: "عن ابن عبّاس أنه قَالَ لهم: أيسكر؟ قالوا: إذا أكثر منه أسكر، قَالَ: فكل مسكر حرام". ذكره فِي "الفتح" 11/ 194. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.