وَقَالَ إِلْكِيا الطبري: وإنما نهى الله عنها فيما يتعلق بأمور الغيب، فإنه لا تدري نفس ماذا يصيبها غدا، فليس للأزلام فِي تعريف المغيبات أثر، فاستنبط بعض الجاهلين منْ هَذَا الرد عَلَى الشافعيّ، فِي الإقراع بين المماليك فِي العتق، ولم يعلم هَذَا الجاهل أن الذي قاله الشافعيّ بُنِي عَلَى الأخبار "الصحيحة" وليس مما يعترض عليه بالنهي عن الإستقسام بالأزلام، فإن العتق حكم شرعي، يجوز أن يَجعَل الشرع خروج القرعة عَلَمًا عَلَى إثبات حكم العتق؛ قطعا للخصومة، أو لمصلحة يراها, ولا يساوي ذلك قول القائل: إذا فعلت كذا، أو قلت كذا، فذلك يدلك فِي المستقبل عَلَى أمر منْ الأمور، فلا يجوز أن يجعل خروج القداح عَلَمًا عَلَى شيء يتجدد فِي المستقبل، ويجوز أن يُجعَل خروج القرعة عَلَمًا عَلَى العتق؛ قطعا، فظهر افتراق البابين.
[تنبيه]: وليس منْ هَذَا الباب طلب الفَأْلِ، وكان عليه الصلاة والسلام يُعجبه أن يسمع يا راشد، يا نجيح، أخرجه الترمذيّ، وَقَالَ: حديث صحيح غريب، وإنما كَانَ يعجبه الفأل لأنه تنشرح له النفس، وتستبشر بقضاء الحاجة، وبلوغ الأمل، فيحسن الظن بالله عز وجل، وَقَدْ قَالَ: "أنا عند ظن عبدي بي"، وكان عليه السلام: يَكرَه الطيرة؛ لأنها منْ أعمال أهل الشرك، ولأنها تجلب ظن السوء بالله عز وجل، قَالَ الخطّابيّ: الفرق بين الفأل والطيرة: أن الفأل إنما هو منْ طريق حسن الظن بالله، والطيرة إنما هي منْ طريق الاتكال عَلَى شيء سواه. وَقَالَ الأصمعي: سألت ابن عون عن الفأل؟ فَقَالَ: هو أن يكون مريضا، فيسمع يا سالم، أو يكون باغيا، فيسمع يا واجد، وهذا معنى حديث الترمذيّ، وفي "صحيح مسلم"، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ: سمعت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا طيرة، وخيرها الفأل"، قيل: يا رسول الله، وما الفأل؟ قَالَ: "الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم".
{رِجْسٌ} قَالَ ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما فِي هذه الآية: "رجس": سخط، وَقَدْ يقال للنَّتْن والعَذِرة والأقذار: رجس، والرجز بالزاي: العذاب لا غير، والركس: العذرة لا غير، والرجس يقال للأمرين. ذكره القرطبيّ.
{مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} أي بحمله عليه، وتزيينه، وقيل: هو الذي كَانَ عمل مبادىء هذه الأمور بنفسه، حَتَّى اقتُدي به فيها. {فَاجْتَنِبُوهُ} قَالَ النسفيّ: الضمير يرجع إلى الرجس، أو إلى عمل الشيطان، أو إلى المذكور، أو إلى المضاف المحذوف، كأنه قيل: إما تعاطي الخمر، والميسر، ولذا قَالَ: {رِجْسٌ}.
وَقَالَ القرطبيّ: قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوُه}. يريد: أَبْعِدوه، واجعلوه ناحيةً، فأمر الله تعالى باجتناب هذه الأمور، واقترنت بصيغة الأمر، مع نصوص الأحاديث، وإجماع