وذكر محمد بن جرير، أن ابن وكيع حدثهم، عن أبيه، عن شَرِيك، عن أبي حَصِين، عن سعيد بن جبير: أن الأزلام حَصّى بِيضٌ، كانوا يضربون بها. قَالَ محمد بن جرير: قَالَ لنا: سفيان بن وكيع: هي الشِّطْرنج، فأما قول لبيد:
تَزِلُّ عَنِ الثَّرَى أَزْلَامُهَا
فَقَالَ: أراد أظلاف البقرة الوحشية، والأزلام للعرب ثلاثة أنواع:
[منها]: الثلاثة التي كَانَ يتخذها كل إنسان لنفسه، عَلَى أحدها: افْعَلْ، وعلى الثاني: لا تفعل، والثالث مهمل، لا شيء عليه، فيجعلها فِي خريطة معه، فإذا أراد فعل شيء، أدخل يده وهي متشابهة، فإذا خرج أحدها ائتمر، وانتهى بحسب ما يخرج له، وإن خرج القدح الذي لا شيء عليه أعاد الضرب، وهذه هي التي ضرب بها سراقة بن مالك بن جُعشُم، حين أَتبع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر، وقت الهجرة، وإنما قيل لهذا الفعل: استقسام لأنهم كانوا يستقسمون به الرزق، وما يريدون، كما يقال: الاستسقاء فِي الاستدعاء للسقي، ونظير هَذَا الذي حرمه الله تعالى قول المنجم: لا تخرج منْ أجل نجم كذا، واخرج منْ أجل نجم كذا، وَقَالَ جل وعز: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} الآية [لقمان: 34].
[والنوع الثاني]: سبعة قداح، كانت عند هُبَل فِي جوف الكعبة، مكتوب عليها ما يدور بين النَّاس منْ النوازل، كل قدح منها فيه العقل، منْ أمر الديات، وفي آخر "منكم"، وفي آخر "منْ غيركم"، وفي آخر "مُلصَق"، وفي سائرها أحكام المياه، وغير ذلك، وهي التي ضرب بها عبد المطلب عَلَى بنيه، إذ كَانَ نذر نحو أحدهم، إذا كملوا عشرة، الخبر المشهور، ذكره ابن اسحق، وهذه السبعة أيضاً كانت عند كل كاهن، منْ كهان العرب، وحكامهم، عَلَى نحو ما كانت فِي الكعبة عند هُبَل.
[والنوع الثالث]: هو قداح الميسر، وهي عشرة: سبعة منها فيها حُظُوظ، وثلاثة أغفال، وكانوا يضربون بها مُقامرة لهوا ولعبا، وكان عقلاؤهم يقصدون بها إطعام المساكين، الْمُعدِم فِي زمن الشتاء، وكَلَب البرد، وتعذر التحرف. وَقَالَ مجاهد: الأزلام هي كعاب فارس والروم، التي يتقامرون بها. وَقَالَ سفيان، ووكيع: هي الشطرنج، فالاستقسام بهذا كله هو طلب القَسْمِ والنصيب، كما بينا، وهو منْ أكل المال بالباطل، وهو حرام، وكل مقامرة بحَمَام، أو بنرد، أو شطرنج، أو بغير ذلك منْ هذه الألعاب، فهو استقسام بما هو فِي معنى الأزلام، حرام كله، وهو ضرب منْ التكهن، والتعرض لدعوى علم الغيب. قَالَ ابن خويزمنداد: ولهذا نهى أصحابنا عن الأمور التي يفعلها المنجمون عَلَى الطرقات، منْ السهام التي معهم، ورقاع الفأل فِي أشباه ذلك.