الكتب ونحوه، مما يصنعه النَّاس اليوم، وأما الخمر فكانت لم تحرم بعدُ، إنما نزل تحريمها فِي سنة ثلاث، بعد وقعة أحد، وكانت وقعة أحد فِي شوال سنة ثلاث منْ الهجرة.
{إِنَّمَا الْخَمْرُ} تقدّم اشتقاقها، ومعناها , فِي أول الباب {وَالْمَيْسِرُ} هو قِمار العرب بالأزلام، قَالَ ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما كَانَ الرجل فِي الجاهلية، يُخاطر الرجل عَلَى أهله وماله، فأيهما قَمَر صاحبه ذهب بماله وأهله، فنزلت الآية. وَقَالَ مجاهد، ومحمد بن سيرين، والحسن، وابن المسيب، وعطاء، وقتادة، ومعاوية بن صالح، وطاوس، وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهم-، وابن عبّاس أيضًا: كل شيء فيه قمار منْ نَرْد، وشطرنج فهو الميسر، حَتَّى لَعِبُ الصبيان بالْجَوْز والكِعَاب (?)، إلا ما أبيح منْ الرِّهان فِي الخيل، والقرعة فِي إفراز الحقوق، وَقَالَ مالك: الميسر ميسران: ميسر اللَّهو، وميسر القمار، فمن ميسر اللَّهو النردُ، والشطرنج، والملاهي كلها، وميسر القمار ما يتخاطر النَّاس عليه. قَالَ عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-: الشطرنج ميسر العجم، وكل ما قومر به فهو ميسر عند مالك وغيره منْ العلماء، و"الميسر": مأخوذ منْ اليَسَر، وهو وجوب الشئ لصاحبه، يقال يَسَر لي كذا: إذا وجب فهو (?) يَيْسِرَ يَسَرًا ومَيْسِرًا، والياسر: اللاعب بالقِداح، وَقَدْ يَسَر يَيْسِر، قَالَ الشاعر [منْ الكامل]:
فَأَعِنْهُمُ وَايْسِرْ بِمَا يَسَرُون بِهِ ... وَإِذَا هُمُ نَزَلُوا بِضَنْكِ فَانْزِلِ
وَقَالَ الأزهرى: الميسر الجزور الذي كانوا يتقامرون عليه، سُمِّي ميسرا؛ لأنه يُجَزّأ أجزاء، فكأنه موضع التجزئة، وكل شيء جزأته فقد يسرته، والياسر الجازر؛ لأنه يُجَزِّىء لحم الجزور، قَالَ: وهذا الأصل فِي الياسر، ثم يقال للضاربين بالقداح، والمتقامرين عَلَى الجزور: ياسرون؛ لأنهم جازرون، إذْ كانوا سببا لذلك. وفي "الصحاح": ويسر القوم الجزور: أي اجتزروها، واقتسموا أعضائها، قَالَ سحيم بن وَثِيل اليربوعيُّ [منْ الطويل]:
أَقُولُ لَهُمْ بِالشِّعْبِ إِذْ يَيْسِرُونَنِي ... أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنّي ابْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ
كَانَ قد وقع عليه سِباء، فضرب عليه بالسهام، ويقال: يَسَر القوم: إذا قامروا، ورجل يَسَرٌ، وياسر: بمعنى، والجمع أيسار، قَالَ النابغة [منْ البسيط]:
أَنِّي أُتَمِّمُ أَيْسَارِي وَأَمْنَحُهُمْ ... مَثْنَى الأَيَادِي وَأَكْسُو الْجَفْنَةَ الأَدَمَا