ففيه الإشارة إلى التعوّذ منْ أن يكون ظالمًا، أو مظلومًا، والتعوّذ منْ الجاه المفرط، والذلّ المهين. قَالَ الكرمانيّ: هَذَا الدعاء منْ جوامع الكلم؛ لأن أنواع الرذائل نفسية، وبدنيّة، وخارجية بحسب القوى العقلية، والغضبية، والهوية، فالهم والحزن متعلقان بالعقلية، والجبن بالغضبيّة، والبخل بالشهوية، والعجز والكسل بالبدنيّة، والضلع والغلبة بالخارجيّة، فالأول ماليّ، والثاني جاهيّ. وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الآتي عند المصنّف برقم 24/ 5477 - : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يدعوا بهؤلاء الكلمات: "اللَّهم إني أعوذ بك منْ غلبة الدين، وغلبة العدوّ، وشماتة الأعداء".

والحديث تقدّم تخريجه فِي الباب الماضي، وسيتكلم المصنّف فِي الْحَدِيث التالي عَلَى وهم فِي هَذَا الإسناد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

5452 - (أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا (?) جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، دَعَوَاتٌ لاَ يَدَعُهُنَّ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ، وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ، وَالْجُبْنِ، وَالدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: هَذَا الصَّوَابُ، وَحَدِيثُ ابْنِ فُضَيْلٍ خَطَأٌ).

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: "جرير": هو ابن عبد الحميد. و"عمرو بن أبي عمرو"/ ميسرة: هو مولى المطلب، أبو عثمان المدنيّ، ثقة، ربّما وهم [5].

وقوله: "خطأ": يعني أن رواية محمد بن فضيل السابقة قبل هَذَا منْ جعله منْ رواية ابن إسحاق عن المنهال بن عمرو غلط، وإنما الصواب عن ابن إسحاق، عن عمرو بن أبي عمرو، وإنما جعل المصنّف رحمه الله تعالى رواية ابن فضيل غلطًا؛ لمخالفتها لرواية الجماعة، فإنهم إنما رووا الْحَدِيث عَلَى ما رواه جرير بن عبد الحميد، فقد رواه سليمان بن بلال عند البخاريّ، ويعقوب بن عبد الرحمن عند أبي داود، وعبد السلام بن مصعب عند الترمذيّ، وإسماعيل بن جعفر عند المصنّف، وعبد العزيز الدراورديّ عنده أيضًا، كلهم عن عمرو بن أبي عمرو، فتبين بهذا أن رواية محمد بن فضيل غير محفوظة.

والحديث صحيح، وَقَدْ تقدّم تخريجه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015