فينبغي أن يكون تأويله، أنه اتخذ خاتما منْ ورق، عَلَى لون منْ الألوان، وكره أن يتخذ غيره مثله، فلما اتخذوه رمى به، حَتَّى رموا به، ثم اتخذ بعد ذلك ما اتخذه، ونقش عليه مانقش؛ ليختم به.

[ثانيها]: أشار إليه الإسماعيلي أيضًا، أنه اتخذه زينة، فلما تبعه النَّاس فيه، رمى به، فلما احتاج إلى الختم، اتخذه ليختم به، وبهذا جزم المحب الطبري، بعد أن حكى قول المهلب، وذكر أنه مُتكلّف، قَالَ: والظاهر منْ حالهم أنهم اتخذوها للزينة، فطرح خاتمه ليطرحوا، ثم لبسه بعد ذلك، للحاجة إلى الختم به، واستمر ذلك.

[ثالثها]: قَالَ ابن بطال: خالف ابن شهاب رواية قتادة، وثابت، وعبد العزيز بن صهيب، فِي كون الخاتم الفضة استقر فِي يد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، يختم به الخلفاء بعده، فوجب الحكم للجماعة، وأنه وهِم الزهريّ فيه. لكن قَالَ المهلب: قد يمكن أن يتأول لابن شهاب، ما ينفي عنه الوهم، وإن كَانَ الوهم أظهر، وذلك أنه يحتمل أن يكون لَمّا عزم عَلَى اطراح خاتم الذهب، اصطنع خاتم الفضة، بدليل أنه كَانَ لا يستغنى عن الختم عَلَى الكتب، إلى الملوك وغيرهم، منْ أمراء السرايا والعمال، فلما لبس خاتم الفضة، أراد النَّاس أن يصطنعوا مثله، فطرح عند ذلك خاتم الذهب، فطرح النَّاس خواتيم الذهب.

وتعقبه الحافظ، فَقَالَ: ولا يخفى وَهْيُ هَذَا الجواب، والذي قاله الإسماعيلي أقرب، مع أنه يخدش فيه، أنه يستلزم اتخاذ خاتم الورق مرتين، وَقَدْ نقل عياض نحوا منْ قول ابن بطال، قائلا: قَالَ بعضهم: يمكن الجمع بأنه لما عزم عَلَى تحريم خاتم الذهب، اتخذ خاتم فضة، فلما لبسه أراه النَّاس فِي ذلك اليوم، ليعلموا إباحته، ثم طرح خاتم الذهب، وأعلمهم تحريمه، فطرح النَّاس خواتيمهم منْ الذهب، فيكون قوله: "فطرح خاتمه، وطرحوا خواتيمهم": أي التي منْ الذهب.

وحاصله أنه جعل الموصوف فِي قوله: "فطرح خاتمه، فطرحوا خواتيمهم" خاتم الذهب، وإن لم يجر له ذكر، قَالَ عياض: وهذا يسوغ أن لو جاءت الرواية مجملة، ثم أشار إلى أن رواية ابن شهاب، لا تحتمل هَذَا التأويل. فأما النوويّ، فارتضى هَذَا التأويل، وَقَالَ: هَذَا هو التأويل الصحيح، وليس فِي الْحَدِيث ما يمنعه، قَالَ: وأما قوله: "فصنع النَّاس الخواتيم منْ الورق، فلبسوها"، ثم قَالَ: "فطرح خاتمه، فطرحوا خواتيمهم"، فيحتمل أنهم لما علموا أنه -صلى الله عليه وسلم-، يريد أن يصطنع لنفسه خاتم فضة، اصطنعوا لأنفسهم خواتيم الفضة، وبقيت معهم خواتيم الذهب، كما بقي معه خاتمه إلى أن استبدل خاتم الفضة، وطرح خاتم الذهب، فاستبدلوا، وطرحوا. انتهى.

وأيده الكرماني بأنه ليس فِي الْحَدِيث، أن الخاتم المطروح كَانَ منْ ورق، بل هو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015