منْ أهلها، كما قَالَ تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25].

ويؤيد التفصيل المذكور، حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- أيضًا: "خير النَّاس رجل جاهد بنفسه وماله، ورجل فِي شِعْبٍ منْ الشعاب، يعبد ربه، ويدع النَّاس منْ شره". وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، فإن أوله عند مسلم: "إن منْ خير معاش النَّاس لهم، رجل ممسك بعِنان فرسه فِي سبيل الله ... " الْحَدِيث، وفيه: "ورجل فِي غنيمة ... " الْحَدِيث، وكأنه ورد فِي أيُّ الكسب أطيب؟ فإن أُخذ عَلَى عمومه، دلَّ عَلَى فضيلة العزلة، لمن لا يتأتي له الجهاد فِي سبيل الله، إلا أن يكون قُيِّد بزمان وقوع الفتن. قاله فِي "الفتح" 14/ 541 - 542.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي الأرجح فِي المسألة هو التفصيل المذكور، وَقَدْ ذكر الخطّابيّ رحمه الله تعالى فِي "كتاب العزلة" -كما نقله فِي "الفتح"- أن العزلة، والاختلاط يختلف باختلاف متعلّقاتهما، فتُحمل الأدلّة الواردة فِي الحضّ عَلَى الاجتماع عَلَى ما يتعلّق بطاعة الأئمة، وأمور الدين، وعكسها فِي عكسه، وأما الاجتماع، والافتراق بالأبدان، فمن عرف الاكتفاء بنفسه فِي حقّ معاشه، ومحافظة دينه، فالأولى له الانكفاف عن مُخالطة النَّاس بشرط أن يحافظ عَلَى الجماعة، والسلام، والرّدّ، وحقوق المسلمين منْ العيادة، وشهود الجنازة، ونحو ذلك، والمطلوب إنما هو ترك فضول الصحبة؛ لما فِي ذلك منْ شُغل البال، وتضييع الوقت عن المهمات، ويجعل بمنزلة الاحتياج إلى الغداء والعشاء، فيقتصر منه عَلَى ما لابدّ منه، فهو أروح للبدن والقلب. والله تعالى أعلم.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا التفصيل حسنٌ جدًّا، لكن لابدّ فِي حالة العزلة منْ ملاحظة ما ذكره القشيريّ رحمه الله تعالى فِي "الرسالة" حيث قَالَ: طريق منْ آثر العزلة أن يعتقد سلامة النَّاس منْ شرّه، لا العكس، فإن الأول يُنتجه استصغار نفسه، وهي صفة المتواضع، والثاني شهودة مزيّةً له عَلَى غيره، وهذه صفة المتكبر. انتهى. ذكره فِي "الفتح" 13/ 132.

ودليل ما قاله القشيري رحمه الله تعالى حديث أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- المتقدّم، وفيه: "ورجل فِي شعب منْ الشعاب، يعبد ربّه، ويدع النَّاس منْ شرّه" رواه البخاريّ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".

***

طور بواسطة نورين ميديا © 2015