فِي "صحيحه" بقوله: "باب أحبّ الدين إلى الله أدومه"، فَقَالَ فِي "الفتح": مراد المصنّف بهذا الاستدلال عَلَى أن الإيمان يُطلق عَلَى الأعمال؛ لأن المراد بالدين هنا العمل، والدين الحقيقي هو الإسلام، والإسلام الحقيقي، مرادف للإيمان، فيصح بهذا مقصوده.

وَقَدْ علّق البخاريّ رحمه الله تعالى فِي موضع حديث: "أحبّ الدين إلى الله الحنيفيّة السمحة".

فَقَالَ فِي "الفتح": ومعنى أحبّ الدين: أي خصال الدين؛ لأن خصال الدين كلها محبوبة، لكن ما كَانَ منها سمحا: أي سهلا، فهو أحب إلى الله، ويدل عليه ما أخرجه أحمد، بسند صحيح، منْ حديث أعرابي لم يسمه، أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: "خير دينكم أيسره"، أو الدين جنس: أي أحب الأديان إلى الله الحنيفية، والمراد بالأديان الشرائع الماضية، قبل أن تُبَدَّل، وتنسخ، والحنيفية ملة إبراهيم، والحنيف فِي اللغة: منْ كَانَ عَلَى ملة إبراهيم، وسمي إبراهيم حنيفا؛ لميله عن الباطل إلى الحق؛ لأن أصل الْحَنَف: الميل، والسمحة: السهلة: أي أنها مبنيةُ عَلَى السهولة؛ لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} الآية [الحجّ: 78].

وهذا الْحَدِيث المعلق، لم يسنده البخاريّ فِي "صحيحه"؛ لأنه ليس عَلَى شرطه، نعم وصله فِي "كتاب الأدب المفرد"، وكذا وصله أحمد بن حنبل وغيره، منْ طريق محمد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، وإسناده حسن، استعمله البخاريّ فِي الترجمة؛ لكونه متقاصرا عن شرطه، وقَوّاه بما دل عَلَى معناه؛ لتناسب السهولة واليسر. انتهى "الفتح" 1/ 130 - 131. والله تعالى أعلم بالصواب.

5037 - (أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ يَحْيَى -وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ- عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، دَخَلَ عَلَيْهَا، وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ، فَقَالَ: "مَنْ هَذِهِ؟ " قَالَتْ: فُلاَنَةُ، لاَ تَنَامُ، تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا، فَقَالَ: "مَهْ عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى تَمَلُّوا، وَكَانَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ").

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رجال هَذَا الإسناد كلهم رجال الصحيح، غير شيخه، فإنه منْ أفراده، وهو نسائي ثقة. و"يحيى بن سعيد": هو القطّان.

وقوله: "أخبرني أبي" يقدر قبله لفظ: "أنه قَالَ"، كما سبق نظيره غير مرّة.

وقوله: "فلانة" كناية عن كلّ علم مؤنّث، فلا ينصرف، وهذه المرأة هي الْحَوْلاء بنت تُويت بن حبيب بن أسد بن عبد العزّى، منْ رهط خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما. وقوله: "لا تنام" وفي رواية "الموطإ": "لا تنام بالليل".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015