مخالفات عظيمة، وحروب هائلة، ومع ذلك فلم يُكفّر بعضهم بعضًا، ولا حكم عليه بالنفاق؛ لما جرى بينهم منْ ذلك، وإنما كَانَ حالهم فِي ذلك حال المجتهدين فِي الأحكام، فإما أن يكون كلهم مصيبًا فيما ظهر له، أو المصيب واحد، والمخطىء معذور، بل مخاطبٌ بالعمل عَلَى ما يراه، ويظنّه، مأجور، فمن وقع له بغض فِي واحد منهم لشيء منْ ذلك، فهو عاص، يجب عليه التوبة منْ ذلك، ومجاهدة نفسه فِي زوال ما وقع له منْ ذلك، بأن يذكر فضائلهم، وسوابقهم، وما لهم عَلَى كلّ منْ بعدهم منْ الحقوق الدينية والدنيوية، إذ لم يصل أحدٌ ممن بعدهم بشيء منْ الدنيا، ولا الدين إلا بهم، وبسببهم، وأدبهم وصلت لنا كلّ النعم، واندفعت عنّا الجهالات والنقم، ومن حصلت به مصالح الدنيا والآخرة، فبغضه كفران للنعم، وصفقته خاسرة، انتهى كلام القرطبيّ "المفهم" 1/ 264 - 266. وهو بحث نفيس جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث عليّ -رضي الله عنه- هَذَا أخرجه مسلم.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -19/ 5020 و20/ 5024 - وأخرجه (م) فِي "الإيمان" 78 (ت) فِي "المناقب" 3736 (ق) فِي "المقدمة" 114 (أحمد) فِي "مسند العشرة" 643 و733 و1065. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان علامة الإيمان، وهو أن الإنسان إذا أحبّ عليًّا -رضي الله عنه- دلّ عَلَى أنه مؤمن بشهادة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- له بذلك فِي هَذَا الْحَدِيث، كما أن منْ أبغضه منافق لذلك أيضًا. (ومنها): أن فيه منقبة عظيمة لعليّ -رضي الله عنه-، حيث كَانَ حبّه منْ الإيمان، وبغضه منْ النفاق، ومناقبه -رضي الله عنه- جمة، قد كتب أهل العلم فيها كتبًا كثيرة، منها "خصائص عليّ -رضي الله عنه-" للمصنّف ضمن "السنن الكبرى"، وغير ذلك. (ومنها): فضل السبق إلى الإسلام، وفضل بذل المال والنفس فِي نشره، والذبّ عنه، فإن عليًّا -رضي الله عنه- وغيره منْ أفاضل الصحابة -رضي الله عنهم- ما نالوا الفضائل، والفواضل إلا بسبب مسارعتهم إلى الإسلام، وإبلائهم فيه إبلاء حسنًا، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21]. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.