(وَلاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ مُنَافِقٌ) قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: ما حاصله: منْ عرف منْ عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- قربه منْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحبه -صلى الله عليه وسلم- له، وما كَانَ منه فِي نصرة الإسلام، وسوابقه فيه، ثم أحبه لهذا كَانَ ذلك منْ دلائل صحّة إيمانه، وصدقه فِي إسلامه؛ لسروره بظهور الإسلام، والقيام بما يُرضي الله سبحانه وتعالى، ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن أبغضه كَانَ بضدّ ذلك، واستُدلّ به عَلَى نفاقه، وفساد سريرته. والله أعلم. انتهى "شرح مسلم" 2/ 64.
وَقَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: ما حاصله: فمن أحب عُليًا -رضي الله عنه-؛ لسابقته فِي الإسلام، وقِدَمه فِي الإيمان، وغَنَائه فيه، وذَوْده عنه، وعن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولمكانته منْ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقرابته، ومصاهرته، وعلمه، وفضائله، كَانَ ذلك منه دليلاً قاطعًا عَلَى صحة إيمانه، ويقينه، ومحبّته للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ومن أبغضه لشيء منْ ذلك، كَانَ عَلَى العكس.
قَالَ: وهذا المعنى جارٍ فِي أعيان الصحابة -رضي الله عنهم-، كالخلفاء الراشدين، وسائر العشرة المبشّرين بالجنة، والمهاجرين، والأنصار، بل وكلّ الصحابة -رضي الله عنهم-، إذ كلّ واحد منهم له شاهد، وغَنَاءٌ فِي الدين، وأثَرٌ حسَنٌ فيه، فحبّهم لذلك المعنى محض الإيمان، وبغضهم له محض النفاق، وَقَدْ دلّ عَلَى صحة ما ذكرناه قوله -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه البزّار (?) فِي أصحابه كلّهم: "فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم"، لكنهم لَمّا كانوا فِي سوابقهم، ومراتبهم متفاوتين، فمنهم المتمكن الأمكن، والتالي، والمقدّم، خصّ الأمكن منهم بالذكر فِي هَذَا الْحَدِيث، وإن كَانَ كلّ منهم له فِي السوابق أشرف حديث، وهذا كما قَالَ العليّ الأعلى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} إلى قوله: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} الآية [الحديد: 10].
[تنبيه]: منْ أبغض بعض منْ ذكرنا منْ الصحابة منْ غير تلك الجهات التي ذكرناها، بل لأمر طارىء، وحدث واقع، منْ مخالفة غرض، أو ضرر حصل، أو نحو ذلك، لم يكن كافرًا، ولا منافقًا بسبب ذلك؛ لأنهم رضي الله تعالى عن جميعهم قد وقعت بينهم