أعمّ منْ جهة نفسه، وأخصّ منْ جهة أصحابه منْ الإسلام، فالإحسان يدخل فيه الإيمان، والإيمان يدخل فيه الإسلام، والمحسنون أخصّ منْ المؤمنين، والمؤمنون أخصّ منْ المسلمين، وهذا كما يقال: فِي الرسالة، والنبوّة، فالنبوّة داخلة فِي الرسالة، والرسالة أعمّ منْ جهة نفسها، وأخصّ منْ جهة أهلها، فكل رسول نبيّ، وليس كلّ نبيّ رسولاً، فالأنبياء أعمّ، والنبوة نفسها جزء منْ الرسالة، فالرسالة تتناول النبوّة، وغيرها، بخلاف النبوّة، فإنها لا تتناول الرسالة. والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- فسّر الإسلام، والإيمان بما أجاب به، كما يجاب عن المحدود بالحدّ، إذا قيل: ما كذا؟ قيل: كذا وكذا، كما فِي الْحَدِيث الصحيح لَمّا قيل: ما الغيبة؟ قَالَ: "ذكرك أخاك بما يَكره"، وفي الْحَدِيث الآخر: "الكبر بطر الحقّ، وغمط النَّاس"، وبطر الحقّ: جحده، ودفعه، وغمط النَّاس: احتقارهم، وازدراؤهم. وسنذكر -إن شاء الله تعالى- سبب تنوّع أجوبته، وأنها كلّها حقّ. ولكن المقصود أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "بُني الإسلام عَلَى خمس"، كقوله: الإسلام هو الخمس، كما ذكر فِي حديث جبرائيل -عليه السلام-، فإن الأمر مركّبٌ منْ أجزاء تكون الهيئة الاجتماعيّة فيه مبنيّة عَلَى تلك الأجزاء، ومركّبةً منها، فالاسلام مبنيّ عَلَى هذه الأركان -وسنبين إن شاء الله- اختصاص هذه الخمس بكونها هي الإسلام، وعليها بُني الإسلام، ولم خُصّت بذلك، دون غيرها منْ الواجبات.
وَقَدْ فسّر الإيمان فِي حديث وفد عبد القيس بما فسّر به الإسلام هنا، لكنه لم يذكر فيه الحجّ، وهو متَّفقٌ عديه، فَقَالَ: "آمركم بالإيمان بالله وحده، هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قَالَ: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدّوا خمس ما غنمتم، أو خمسًا منْ المغنم". وَقَدْ رُوي فِي بعض طرقه: "الإيمان بالله، وشهادة أن لا إله إلا الله"، لكن الأول أشهر، وفي رواية أبي سعيد -رضي الله عنه-: "آمركم باربع، وأنهاكم عن أربع: اعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئًا".
وَقَدْ فَسَّر فِي حديث شعب الإيمان الإيمان بهذا، وبغيره، فَقَالَ: "الإيمان بضع وستّون، أو بضع وسبعون شعبةً، أفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شبعة منْ الإيمان". وَقَدْ ثبت عنه منْ وجوه متعدّدة أنه قَالَ: "الحياء شعبة منْ الإيمان" منْ حديث ابن عمر، وابن مسعود، وعمران بن حصين -رضي الله عنهم-، وَقَالَ أيضًا: "لا يؤمن أحدكم حَتَّى أكون أحبّ إليه منْ ولده، ووالده، والناس أجمعين"، وَقَالَ: "لا يؤمن أحدكم حَتَّى يحبّ لأخيه ما يُحبّ لنفسه"، وَقَالَ: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن"، قيل: منْ يا رسول الله؛ قَالَ: "الذي لا يأمن جاره