وكلّ مؤمن مسلم، وليس كلّ مؤمن محسنًا، ولا كلّ مسلم مؤمنا، كما سيأتي بيانه -إن شاء الله تعالى- فِي سائر الأحاديث، كالحديث الذي رواه حمّاد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل منْ أهل الشام، عن أبيه، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ له: "أسلِم تسلم"، قَالَ: وما الإسلام؟ قَالَ: "أن تُسلم قلبك لله، وأن يسلم المسلمون منْ لسانك، ويدك"، قَالَ: فأي الإسلام أفضل؟ قَالَ: "الإيمان"، قَالَ: وما الإيمان؟ قَالَ: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبالبعث بعد الموت"، قَالَ: فأي الإيمان أفضل؟ قَالَ: "الهجرة"، قَالَ: وما الهجرة؟ قَالَ: "أن تهجر السوء"، قَالَ: فأي الهجرة أفضل؟ قَالَ: "الجهاد"، قَالَ: وما الجهاد؟ قَالَ: "أن تجاهد"، أو "تقاتل الكفار إذا لقيتهم، ولا تغلُل، ولا تجبُن"، ثم قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عملان هما أفضل الأعمال، إلا منْ عمل بمثلهما" -قالها ثلاثا- "حجة مبرورة، أو عمرة"، رواه أحمد، ومحمد بن نصر المروزيّ.
ولهذا يذكر هذه المراتب الأربعة، فيقول: "المسلم منْ سلم المسلمون منْ لسانه، ويده، والمؤمن منْ أمنه النَّاس عَلَى دمائهم وأموالهم، والمهاجر منْ هجر السيئات، والمجاهد منْ جاهد نفسه"، وهذا مروي عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منْ حديث عبد الله بن عمرو، وفَضَالة بن عُبيد، وغيرهما بإسناد جيد، وهو فِي "السنن"، وبعضه فِي "الصحيحين". وَقَدْ ثبت عنه منْ غير وجه أنه قَالَ: "المسلم منْ سلم المسلمون منْ لسانه ويده، والمؤمن مَنْ أَمِنَهُ النَّاس عَلَى دمائهم وأموالهم"، ومعلوم أن منْ كَانَ مأمونا عَلَى الدماء والأموال كَانَ المسلمون يسلمون منْ لسانه ويده، ولولا سلامتهم منه لما ائتمنوه، وكذلك فِي حديث عُبيد بن عُمير، عن عمرو بن عَبَسَة -رضي الله عنه-. وفي حديث عبد الله بن عُبيد بن عُمير أيضًا، عن أبيه، عن جدّه أنه قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما الإسلام؟ قَالَ: "إطعام الطعام، وطيب الكلام"، قيل: فما الإيمان؟ قَالَ: "السماحة، والصبر"، قيل: فمن أفضل المسلمين إسلامًا؟ قَالَ: "منْ سلم المسلمون منْ لسانه ويده"، قيل: فمن أفضل المؤمنين إيمانًا؟ قَالَ: "أحسنهم خُلُقًا"، قيل: فما أفضل الهجرة؟ قَالَ: "منْ هجر ما حرم الله عليه"، قَالَ: أيّ الصلاة أفضل؟ قَالَ: "طول القنوت"، قَالَ: أي الصدقة أفضل؟ قَالَ: "جهد مقلّ"، قَالَ: أي الجهاد أفضل؟ قَالَ: "أن تجاهد بمالك، ونفسك، فيُعقرُ جوادك، وُيراق دمك"، قَالَ: أي الساعات أفضل؟ قَالَ: "جوف الليل الغابر".
ومعلوم أن هَذَا كله مراتب، بعضها فوق بعض، وإلا فالمهاجر لابدّ أن يكون مؤمنًا، وكذا المجاهد، ولهذا قَالَ: "الإيمان السماحة والصبر"، وَقَالَ فِي الإسلام: "إطعام الطعام، وطيب الكلام"، والأول مستلزم للثاني، فإن منْ كَانَ خلقه السماحة،