ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة، وأقاويل السلف، وبين أصل وضعه فى اللغة، وما عليه المتكلمون، وهذا الذي قاله هؤلاء، وان كَانَ ظاهرا حسنا، فالأظهر -والله أعلم- أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر، وتظاهر الأدلة، ولهذا يكون إيمان الصديقين، أقوى منْ إيمان غيرهم، بحيث لا تعتريهم الشُّبَه، ولا يتزلزل إيمانهم بعارض، بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة، وإن اختلفت عليهم الأحوال، وأما غيرهم منْ المؤلفة، ومن قاربهم، ونحوهم، فليسوا كذلك، فهذا مما لا يمكن إنكاره، ولا يتشكك عاقل فى أن نفس تصديق أبى بكر الصديق رضى الله عنه، لا يساويه تصديق آحاد النَّاس، ولهذا قَالَ البخارى فى "صحيحه" قَالَ ابن أبى مليكة: أدركت ثلاثين منْ أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، كلهم يخاف النفاق عَلَى نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه عَلَى إيمان جبريل وميكائيل، والله أعلم. وأما إطلاق اسم الإيمان عَلَى الأعمال، فمتفق عليه عند أهل الحق، ودلائله فى الكتاب والسنة، أكثر منْ أن تحصر، وأشهر منْ أن تشهر، قَالَ الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]، أجمعوا عَلَى أن المراد صلاتكم، وأما الأحاديث، فستمر بك فى هَذَا الكتاب، منها جُمَلٌ مستكثرات، والله أعلم. واتفق أهل السنة منْ المحدثين، والفقهاء، والمتكلمين، عَلَى أن المؤمن الذي يُحكَم بأنه منْ أهل القبلة، ولا يخلد فى النار، لا يكون إلا منْ اعتقد بقلبه دين الإسلام، اعتقادا جازما، خاليًا منْ الشكوك، ونطق بالشهادتين، فإن اقتصر عَلَى إحداهما، لم يكن منْ أهل القبلة أصلاً، إلا اذا عجز عن النطق؛ لخلل فى لسانه، أو لعدم التمكن منه لمعاجلة المنية، أو لغير ذلك، فإنه يكون مؤمنا، أما إذا أتى بالشهادتين، فلا يشترط معهما، أن يقول: وأنا بريء منْ كل دين، خالف الإسلام، إلا إذا كَانَ منْ الكفار، الذين يعتقدون اختصاص رسالة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، إلى العرب، فإنه لا يُحكم بإسلامه، إلا بأن يتبرأ، ومن أصحابنا أصحاب الشافعيّ رحمه الله مَن شرط أن يتبرأ مطلقا، وليس بشيء، أما إذا اقتصر عَلَى قوله: لا إله إلا الله، ولم يقل: محمد رسول الله، فالمشهور منْ مذهبنا، ومذاهب العلماء أنه لا يكون مسلما، ومن أصحابنا منْ قَالَ: يكون مسلما، ويطالب بالشهادة الأخرى، فإن أبى جُعل مرتدا، ويُحتَجُّ لهذا القول، بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أُمرت أن أقاتل النَّاس حَتَّى يقولوا: لا إله إلا الله، فاذا قالوا: ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم"، وهذا محمول عند الجماهير عَلَى قول الشاهدتين، واستغنى بذكر إحداهما عن الأخرى؛ لارتباطهما، وشهرتهما. والله أعلم. أما إذا أقر بوجوب الصلاة، أو الصوم، أو غيرهما منْ أركان الإسلام، وهو عَلَى خلاف ملته التي كَانَ عليها، فهل يجعل بذلك مسلما، فيه وجهان لأصحابنا، فمن جعله مسلما، قَالَ: