يُرَدّ به عليهم إجماعُ الأمة عدى إكفار المنافقين، وإن كانوا قد أظهروا الشهادتين، قَالَ الله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}، إلى قوله تعالى: {وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 83 - 84 - 85]. هَذَا آخر كلام ابن بطال.
وَقَالَ الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطع إليه سبيلا، والإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر بالقدر، خيره وشره"، قَالَ: هَذَا بيان لأصل الإيمان، وهو التصديق الباطن، وبيان أصل الإسلام، وهو الاستسلام والانقياد، وحكم الإسلام فى الظاهر ثبت بالشهادتين، وإنما أضاف إليهما الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم؛ لكونها أظهر شعائر الإسلام، وأعظمها، وبقيامه بها يتم استسلامه، وتركه لها يُشعر بانحلال قيد انقياده، أو اختلاله، ثم إن اسم الإيمان يتناول ما فُسر به الإسلام فى هَذَا الْحَدِيث، وسائر الطاعات؛ لكونها ثمرات للتصديق الباطن، الذى هو أصل الإيمان، ومقويات، ومتممات، وحافظات له، ولهذا فسر -صلى الله عليه وسلم-، الإيمان فى حديث وفد عبد القيس، بالشهادتين، والصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، وإعطاء الخمس منْ المغنم، ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق، عَلَى منْ ارتكب كبيرة، أو بدل فريضة؛ لأن اسم الشىء مطلقا، يقع عَلَى الكامل منه، ولا يستعمل فى الناقص ظاهرا، إلا بقيد، ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه، فى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يسرق السارق حين يسرق، وهو مؤمن"، واسم الإسلام يتناول أيضًا ما هو أصل الإيمان، وهو التصديق الباطن، ويتناول أصل الطاعات، فإن ذلك كله استسلام، قَالَ: فخرج مما ذكرناه، وحققنا أن الإيمان والإسلام، يجتمعان، ويفترقان، وأن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا، قَالَ: وهذا تحقيق وافر، بالتوفيق بين متفرقات نصوص الكتاب والسنة، الواردة فى الإيمان والإسلام, التي طالما غَلِط فيها الخائضون، وما حققناه منْ ذلك، موافق لجماهير العلماء، منْ أهل الْحَدِيث، وغيرهم. هذ آخر كلام الشيخ أبى عمرو بن الصلاح.
فإذا تقرر ما ذكرناه منْ مذاهب السلف، وأئمة الخلف، فهي متظاهرة، متطابقة عَلَى كون الإيمان يزيد وينقص، وهذا مذهب السلف، والمحدثين، وجماعة منْ المتكلمين، وأنكر أكثر المتكلمين زيادته ونقصانه، وقالوا: متى قبل الزيادة كَانَ شكا وكفرا، قَالَ المحققون، منْ أصحابنا المتكلمين: نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص، والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته، وهي الأعمال ونقصانها، قالوا: وفى هَذَا توفيق بين