وقوله: "استُحيي" بالبناء للمفعول: أي تُرك حَيّا.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الْحَدِيث تقدّم شرحه، وبيان مسائله فِي "كتاب الطلاق" -20/ 3456 - "باب متى يقع طلاق الصبي؟ " وبقي منْ مسائله بيان ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، فأقول:
[مسألة]: فِي اختلاف أهل العلم فِي حدّ بلوغ الصبيّ:
قَالَ فِي "الفتح" 5/ 609 - 611 - : اختلف العلماء فِي أقل سن تحيض فيه المرأة، ويحتلم فيه الرجل، وهل تنحصر العلامات فِي ذلك، أم لا؟، وفي السن الذي إذا جاوزه الغلام، ولم يحتلم، والمرأة لم تحض، يُحكَم حينئذ بالبلوغ، فاعتبر مالك، والليث، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، الإنباتَ، إلا أن مالكا لا يُقيم به الحد؛ للشبهة، واعتبره الشافعيّ فِي الكافر، واختلَف قولُهُ فِي المسلم، وَقَالَ أبو حنيفة: سن البلوغ تسع عشرة، أو ثمان عشرة للغلام، وسبع عشرة للجارية، وَقَالَ أكثر المالكية: حده فيهما سبع عشرة، أو ثمان عشرة، وَقَالَ الشافعيّ، وأحمد، وابن وهب، والجمهور: حدّه فيهما استكمال خمس عشرة سنة، عَلَى ما فِي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" عرضه يوم أحد، وهو ابن أربع عشرة سنة، فلم يُجزني، ثم عرضني يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة سنة، فأجازني". قَالَ نافع: فقدِمت عَلَى عمر بن عبد العزيز، وهو خليفة، فحدّثته الْحَدِيث، فَقَالَ: إن هَذَا لحدٌّ بين الصغير والكبير، وكتب إلى عُمّاله أن يَفرضُوا لمن بلغ خمس عشرة سنة. متّفقٌ عليه. انتهى.
وَقَالَ فِي "المغني" 6/ 597 - 600 - : ويحصل البلوغ فِي حق الغلام، والجارية بأحد ثلاثة أشياء، وفي حق الجارية بشيئين، يختصان بها، أما الثلاثة المشتركة بين الذكر والأنثى، فأولها خروج المني منْ قبله، وهو الماء الدافق الذي يُخلق منه الولد، فكيفما خرج فِي يقظة، أو منام، بجماع، أو إحتلام، أو غير ذلك، حصل به البلوغ، لا نعلم فِي ذلك اختلافا؛ لقول الله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} الآية [النور: 59]، وقولِه: {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} الآية [النور: 58] وقولِ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "رُفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حَتَّى يحتلم"، وقولِهِ عليه السلام لمعاذ -رضي الله عنه-: "خذ منْ كل حالم دينارا"، رواهما أبو داود (?). وَقَالَ ابن المنذر: وأجمعوا عَلَى أن الفرائض، والأحكام تجب عَلَى المحتلم العاقل، وعلى المرأة بظهور الحيض منها.