نسي مَن صَدَّق به، قَالَ ذلك فِي تفسير نزع نور الإيمان، ولعل هَذَا هو مراد المهلب.
[خامسها]: معنى نفي الإيمان نفي الأمان منْ عذاب الله؛ لأن الإيمان مشتق منْ الأمن. [سادسها]: أن المراد به الزجر والتنفير، ولا يراد ظاهره، وَقَدْ أشار إلى ذلك الطيبي، فَقَالَ: يجوز أن يكون منْ باب التغليظ والتهديد، كقوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}: يعني أن هذه الخصال ليست منْ صفات المؤمن؛ لأنها منافية لحاله، فلا ينبغي أن يتصف بها.
[سابعها]: أنه يسلب الإيمان حال تلبسه بالكبيرة، فإذا فارقها عاد إليه، وهو ظاهر ما أسنده البخاريّ، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فِي باب "إثم الزناة" منْ "كتاب المحاربين" عن عكرمة عنه، بنحو حديث الباب، قَالَ عكرمة: قلت لابن عباس: كيف يُنزع منه الإيمان؟ قَالَ: هكذا، وشَبَّك بين أصابعه، ثم أخرجها، فإذا تاب عاد إليه، هكذا.
ثم شبك بين أصابعه، وجاء مثل هَذَا مرفوعا، أخرجه أبو داود، والحاكم بسند صحيح، منْ طريق سعد المقبري، أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- رفعه: "إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان، فكان عليه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه الإيمان"، وأخرج الحاكم منْ طريق بن حُجَيرة، أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: "منْ زنى، أو شرب الخمر، نزع الله منه الإيمان، كما يَخْلَع الإنسان القميص منْ رأسه" (?)، وأخرج الطبراني بسند جيد، منْ رواية رجل منْ الصحابة، لم يُسَمَّ رفعه: "منْ زنى خرج منه الإيمان، فإن تاب تاب الله عليه"، وأخرج الطبري، منْ طريق عبد الله بن رواحة -رضي الله عنه-: "مَثَلُ الإيمان مثل قميص، بينما أنت مُدبر عنه إذ لبسته، وبينما أنت قد لبسته إذ نزعته".
قَالَ ابن بطال: وبيان ذلك أن الإيمان هو التصديق، غير أن للتصديق معنيين: [أحدهما]: قول، والآخر عمل، فإذا رَكِب المصدق كبيرة، فارقه اسم الإيمان، فإذا كَفَّ عنها عاد له الاسم؛ لأنه فِي حال كفه عن الكبيرة، مجتنب بلسانه، ولسانه مصدق عقد قلبه، وذلك معنى الإيمان.
قَالَ الحافظ: وهذا القول قد يلاقي ما أشار اليه النوويّ، فيما نقله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: "يُنزع منه نور الإيمان"؛ لأنه يُحمَل منه عَلَى أن المراد فِي هذه الأحاديث نور الإيمان، وهو عبارة عن فائدة التصديق، وثمرته، وهو العمل بمقتضاه، ويمكن رد هَذَا القول إلى القول الذي رجحه النوويّ، فقد قَالَ ابن بطال فِي آخر كلامه،