فيما يتعلق بالإيمان والكفر سواء، فلما كَانَ الواجب فيه منْ العقوبة مختلفا، دل عَلَى أن مرتكب ذلك ليس بكافر حقيقة.

وَقَالَ النوويّ: اختلف العلماء فِي معنى هَذَا الْحَدِيث، والصحيح الذي قاله المحققون، أن معناه: لا يفعل هذه المعاصي، وهو كامل الإيمان، هَذَا منْ الألفاظ التي تُطلق عَلَى نفي الشيء، والمراد نفي كماله، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة، وإنما تأولناه؛ لحديث أبي ذر -رضي الله عنه-: "منْ قَالَ لا إله إلا الله، دخل الجنة، وإن زنا وإن سرق"، وحديث عبادة -رضي الله عنه- الصحيح المشهور: أنهم بايعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عَلَى أن لا يسرقوا، ولا يزنوا ... الْحَدِيث، وفي آخره: "ومن فعل شيئا منْ ذلك، فعوقب به فِي الدنيا، فهو كفارة له، ومن لم يعاقب فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه"، فهذا مع قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} الآية [النِّساء: 48]، مع إجماع أهل السنة عَلَى أن مرتكب الكبائر لا يكفر إلا بالشرك، يَضطَرُّنا إلى تأويل الْحَدِيث إلى آخر كلام النوويّ الذي سبق نقله فِي الباب الماضي.

قَالَ: وَقَدْ ورد فِي تأويله بالمستحلّ حديث مرفوع، عن علي -رضي الله عنه- عند الطبراني فِي "الصغير"، لكن فِي سنده راو كذبوه.

فمن الأقوال التي لم يذكرها: ما أخرجه الطبري، منْ طريق محمد بن زيد بن واقد ابن عبد الله بن عمر: أنه خبر بمعنى النهي، والمعنى: لا يَزْنِيَنَّ مؤمن، ولا يَسْرِقَنَّ مؤمن. وَقَالَ الخطّابيّ: كَانَ بعضهم يرويه: "ولا يشرب" بكسر الباء عَلَى معنى النهي، والمعنى: المؤمن لا ينبغي له أن يفعل ذلك، ورد بعضهم هَذَا القول بأنه لا يبقى للتقييد بالظرف فائدة، فإن الزنا منهي عنه فِي جميع الملل، وليس مختصا بالمؤمنين.

قَالَ الحافظ: وفي هَذَا الرد نظر واضح لمن تأمله.

[ثانيها]: أن يكون بذلك منافقا، نفاق معصية، لا نفاق كفر، حكاه ابن بطال عن الأوزاعي.

[ثالثها]: أن معنى نفي كونه مؤمنا، أنه شابه الكافر فِي عمله، وموقع التشبيه أنه مثله فِي جواز قتله، فِي تلك الحالة؛ ليكف عن المعصية، ولو أَدَّى إلى قتله، فإنه لو قتل فِي تلك الحالة، كَانَ دمه هدرا، فانتفت فائدة الإيمان فِي حقه، بالنسبة إلى زوال عصمته فِي تلك الحالة، وهذا يقوي ما تقدم منْ التقييد بحالة التلبس بالمعصية.

[رابعها]: معنى قوله: ليس بمؤمن: أي ليس بمستحضر فِي حالة تلبسه بالكبيرة جلال منْ آمن به، فهو كناية عن الغفلة، التي جلبتها له غلبة الشهوة، وعبر عن هَذَا ابن الجوزي بقوله: فإن المعصية تُذهله عن مراعاة الإيمان، وهو تصديق القلب، فكانه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015