ابْنَ أَخِيكَ؟) أطلق الأخوّة باعتبار الإيمان (قَالَ) أبو سعيد (مَا ضَرَبْتُهُ، إِنَّمَا ضَرَبْتُ الشَّيْطَانَ) قَالَ السنديّ: أي ما ضربته، وهو ابن أخي، ولكن ضربته، وهو شيطان، فلا يَرِد أنه لا يصح نفي الحقيقة، فلا يصحّ أن يقول: ما ضربته إلا أن يكون كذبًا. انتهى (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ) وفي رواية البخاريّ: "إذا صلّى أحدكم إلى شيء يستره منْ النَّاس" (فَأَرَادَ إِنْسَانٌ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ) فيه حذف "أن" المصدريّة، والأصل: "أن يمرّ"، وحذفها، مع رفع الفعل قياس، وليس شاذًّا، كما ادّعاه بعض النحاة؛ لوروده فِي القرآن، قَالَ الله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} الآية [الروم: 24]، وإنما الشاذّ النصب مع الحذف، كما أشار إلى ذلك ابن مالك رحمه الله تعالى فِي "الخلاصة"، حيث قَالَ:
وَشَذَّ حَذْفُ "أَنْ" وَنَصْبٌ فِي سِوَى ... مَا مَرَّ فَاقْبَلْ مِنْهُ مَا عَدْلٌ رَوَى
(فَيَدْرَؤُهُ) أي يدفعه (مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ) المراد حقيقة القتال، وَقَدْ تقدم فِي "كتاب الصلاة" 8/ 757 - منْ فسّره بالإشارة، ولطيف المنع، والردُّ، عليه، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.
وهذا هو محلّ استدلال المصنّف لما ترجم له؛ ووجه ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر المصلّي أن يقاتل المارّ، ولم يشترط عليه استئذان السلطان، وهو الذي فهمه أبو سعيد -رضي الله عنه- راويه، ووافقه عليه مروان، وهو أمير المدينة يومئذ، حيث لم ينكر عليه ضرب ابنه، وإنما سأله عن سبب الضرب، فلما ذكر له الْحَدِيث، سكت، فلم يطالبه، لا بقصاص، ولا بغيره. والله تعالى أعلم.
(فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ") أي فعله فعل الشيطان؛ لأنه أبى إلا التشويش عَلَى المصلي، وإطلاق الشيطان عَلَى المارِدِ منْ الإنس سائغ شائع، وَقَدْ جاء فِي القرآن قوله تعالى: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام: 112]، وَقَالَ ابن بطال: فِي هَذَا الْحَدِيث جواز إطلاق لفظ الشيطان عَلَى منْ يفتن فِي الدين، وأن الحكم للمعاني، دون الأسماء لاستحالة أن يصير المار شيطانا بمجرد مروره. انتهى.
قَالَ الحافظ: وهو مبني عَلَى أن لفظ الشيطان، يطلق حقيقة عَلَى الجن، ومجازا عَلَى الإنس، وفيه بحث. ويحتمل أن يكون المعنى: فإنما الحامل له عَلَى ذلك الشيطان، وَقَدْ وقع فِي رواية الإسماعيلي: "فإن معه الشيطان"، ونحوه لمسلم منْ حديث ابن عمر بلفظ: "فإن معه القرين". وَقَدْ تقدّم تمام البحث فِي هَذَا الْحَدِيث فِي "كتاب الصلاة" بالرقم المذكور. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.