بْنِ حَزْمٍ، حِينَ بَعَثَهُ عَلَى نَجْرَانَ، وَكَانَ الْكِتَابُ عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "هَذَا بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ، وَرَسُولِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، وَكَتَبَ الآيَاتِ مِنْهَا، حَتَّى بَلَغَ: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة: 1 - 4]، ثُمَّ كَتَبَ: "هَذَا كِتَابُ الْجِرَاحِ، فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ، نَحْوَهُ).

وقوله: "حين بعثه عَلَى نجران": أي أرسله واليًا عليها.

وقوله: "هَذَا بيان الخ": يعني أن الآتي إيضاح منْ والله سبحانه وتعالى، ومن رسوله -صلى الله عليه وسلم- لأحكام كثيرة، تحتاج إليها الأمة فِي مُجتمعاتها، وأفرادها.

[تكميل]: لَمّا أشار فِي هذه الرواية إلى أنه -صلى الله عليه وسلم- كتب الآيات منْ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، أحببت أن أذكر شرح الآيات شرحًا مختصرًا، تتميمًا للفائدة، وتكميلاً للعائدة، فأقول:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}: قَالَ علقمة رحمه الله تعالى: كل ما فِي القرآن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فهو مدني، و {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، فهو مكي، وهذا خرج عَلَى الأغلب، قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: وهذه الآية مما تلوح فصاحتها، وكثرة معانيها، عَلَى قلة ألفاظها، لكل ذي بصيرة بالكلام، فإنها تضمنت خمسة أحكام: [الأول]: الأمر بالوفاء بالعقود. [الثاني]: تحليل بهيمة الأنعام. [الثالث]: استثناء ما يلي بعد ذلك. [الرابع]: استثناء حال الإحرام فيما يصاد. [الخامس]: ما تقتضيه الآية منْ إباحة الصيد لمن ليس بمحرم.

وحكى النقاش: أن أصحاب الكندي قالوا له: أيها الحكيم اعمل لنا مثل هَذَا القرآن، فَقَالَ: نعم أعمل مثل بعضه، فاحتجب أياما كثيرة، ثم خرج، فَقَالَ: والله ما أقدر، ولا يُطيق هَذَا أحد، إني فتحت المصحف، فخرجت سورة المائدة، فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء، ونهى عن النكث، وحلل تحليلا عاما، ثم استثنى استثناء بعد استثناء، ثم أخبر عن قدرته وحكمته فِي سطرين، ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا إلا فِي أجلاد.

وقوله تعالى: {أَوْفُوا}: يقال وفي، وأوفى لغتان، قَالَ الله تعالى: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ}، وَقَالَ تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}، وَقَالَ الشاعر [منْ البسيط]:

أَمَّا ابْنُ طَوْقٍ فَقَدْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِ ... كمَا وَفَى بِقِلَاصِ النَّجْمِ حَادِيهَا.

فجمع بين اللغتين. وقوله: {بِالعُقُودٍ}: العقود الربوط، واحدها عَقْد، يقال: عقدت العهد، والحبل، وعقدت الغُلّ، فهو يستعمل فِي المعاني والأجسام.

فقد أمر والله سبحانه بالوفاء بالعقود، قَالَ الحسن: يعني بذلك عقود الدَّين، وهي ما عقده المرء عَلَى نفسه، منْ بيع، وشراء، وإجارة، وكراء، ومناكحة، وطلاق،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015