عَلَى المفعول الأول عَلَى وجه التأكيد، فيقال: بعت منْ زيد الدارَ، كما يقال: كتمته الحديثَ، وكتمتُ منه الْحَدِيث، وربّما دخلت اللام مكان "منْ"، فيقال: بعتك الشيء، وبعته لك، فاللام زائدة زيادتَها فِي قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} الآية، والأصل بوّأنا إبراهيم، وابتاع زيد الدار بمعنى اشتراها، وابتاعها لغيره: اشتراها له، وباع عليه القاضي، أي منْ غير رضاه. والمبتاعُ مَبِيعٌ عَلَى النقص، ومبيُوعٌ عَلَى التمام، مثلُ مَخِيط، ومخيوط. والأصل فِي البيع مبادلة مال بمال؛ لقولهم: بيْعٌ رابحٌ، وبيعٌ خاسرٌ، وذلك حقيقة فِي وصف الأعيان، لكنه أُطلق عَلَى العقد مجازًا؛ لأنه سبب التمليك، والتملّك. وقولهم: صحّ البيع، أو بطل، ونحوُهُ: أي صيغة البيع، لكن لَمّا حُذف المضاف، وأُقيم المضاف إليه مُقامه، وهو مذكرٌ أُسند الفعل إليه بلفظ التذكير. والْبَيْعة: الصَّفْقة عَلَى إيجاب البيع، وجمعها بيعات بالسكون، وتُحرّك فِي لغة هُذيل، كما بيضة وبيْضَات. وتُطلق أيضًا عَلَى المبايعة والطاعة، ومنه "أيمان البيعة"، وهي التي رتّبها الحجّاج، مشتملةً عَلَى أمور مغلّظة، منْ طلاق، وعتق، وصوم، ونحو ذلك. قاله الفيّوميّ رحمه الله تعالى "المصباح المنير" 1/ 69.
وَقَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: البيع فِي اللغة مصدر باع كذا بكذا: أي دفع معوضًا، وأخذ عِوَضًا منه، وهو يقتضي بائعًا، وهو المالك، أو منْ يتنزّل منزلته، ومُبتاعًا، وهو الذي يبذل الثمن، ومَبِيعًا، وهو الْمُثْمَن، وهو الذي يُبذل فِي مقابلة الثمن، وعلى هَذَا فأركان البيع أربعة: البائع، والمبتاع، والثمن، والْمُثْمَن، وكلّ واحد منْ هذه يتعلّق النظر فيها بشروط، ومسائل، ستراها إن شاء الله تعالى. والمعاوضة عند العرب تختلف بحسب اختلاف ما يُضاف إليه، فإن كَانَ أحد العوضين فِي مقابلة الرقبة سُمّي بيعًا، وإن كَانَ فِي مقابلة منفعة رقبة، فإن كانت منفعة بُضع سُمّي نكاحًا، وإن كانت منفعةً غيرها سُمّي إجارةً. انتهى "المفهم" 4/ 360.
وَقَالَ فِي "الفتح": 5/ 3: والبيوع جمع بيع، وجُمع لاختلاف أنواعه، والبيع: نقل ملك إلى الغير بثمن، والشراء قبوله، ويطلق كل منهما عَلَى الآخر. وأجمع المسلمون عَلَى جواز البيع، والحكمة تقتضيه؛ لأن حاجة الإنسان تتعلق بما فِي يد صاحبه غالبا، وصاحبه قد لا يبذله له، ففي تشريع البيع، وسيلة إلى بلوغ الغرض، منْ غير حرج.
قَالَ: والأصل فِي جواز البيع قوله عز وجل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} الآية [البقرة: 275]. وللعلماء فِي هذه الآية أقوال: أصحها أنه عام مخصوص، فإن اللفظ لفظ عموم، يتناول كل بيع، فيقتضى إباحة الجميع، لكن قد مَنَع الشارع بيوعا أخرى، وحرمها، فهو عام فِي الإباحة، مخصوص بما لا يدل الدليل عَلَى منعه. وقيل: عام