الرخصة مطلقا، بل عَلَى تلك الصورة وحدها، وحملها عَلَى حال الضرورة، جمعا بين الخبرين أولى، منْ حملها عَلَى النسخ. والله أعلم.
وَقَدْ سبق ابنُ العربي إلى نحو ما أشار إليه العراقيّ، فَقَالَ: يحتمل أن يكون شربه -صلى الله عليه وسلم- فِي حال ضرورة، إما عند الحرب، واما عند عدم الإناء، أو مع وجوده، لكن لم يتمكن؛ لشغله منْ التفريغ منْ السقاء فِي الإناء، ثم قَالَ: ويحتمل أن يكون شَرِبَ منْ إداوة، والنهي محمول عَلَى ما إذا كانت القربة كبيرة؛ لأنها مظنة وجود الهوامّ، كذا قَالَ، والقربة الصغيرة، لا يمتنع وجود شيء منْ الهوام فيها، والضرر يحصل به، ولو كَانَ حقيرا، والله أعلم. انتهى ما فِي "الفتح" 11/ 224 - 225.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن مما تقدّم أن أرجح الأقوال القول بتحريم الشرب منْ فِي السقاء؛ لقوّة دليله، وأما أحاديث الرخصة، فلا تعارضها؛ لأنها محمولة عَلَى حالة الضرورة، والحاجة، لا عَلَى إطلاقها، فتنبّه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريدُ إلا الإصلاح، ما استطعتُ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".
...
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: "البيوع": جمع بيع، وإنما جُمع، وإن كَانَ المصدر لا يُجمع، ولا يُثنّى، نظرًا إلى أنواعه، و"البيع" فِي الأصل مصدر باعه يبيعه بيعًا، ومَبِيعًا، فهو بائعٌ، وبَيْعٌ، وأباعه بالألف لغة، قاله ابن القطّاع، والبيع منْ الأضداد، مثل الشراء، يقال كلّ منهما لكلّ منهما، فمن استعمال البيع بمعنى الشراء، قول الشاعر [منْ الكامل]:
إِنَّ الشَّبَابَ لَرَابِحٌ مَنْ بَاعَهُ ... وَالشَّيْبُ لَيْسَ لِبَائِعِهِ تِجَارُ
يعني منْ اشتراه. ومن استعمال الشراء بمعنى البيع قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} الآية. أي باعوه. ويُطلق عَلَى كل منْ المتعاقدين أنه بائعٌ، ولكن إذا أطلق البائع، فالمتبادر إلى الذهن باذل السلعة، وُيطلق البيع أيضاً عَلَى المبيع، فيقال: بيعٌ جيّدٌ، وبعت زيدًا الدارَ، يتعدّى إلى مفعولين، وكثر الاقتصار عَلَى الثاني؛ لأنه المقصود بالإسناد، ولهذا تتمّ به الفائدة، نحو بعت الدار، ويجوز الاقتصار عَلَى الأول، عند عدم اللبس، نحو بعت الأميرَ؛ لأن الأمير لا يكون مملوكًا يُباع، وَقَدْ تدخل "منْ"