تقدّم بيان اختلاف العلماء فيه فِي "كتاب الصيد والذبائح" 29/ 4329. (ومنها): أن قول الصحابيّ: فعلنا كذا عَلَى عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له حكم الرفع، وكذا لو لم يُضفه إلى عهده -صلى الله عليه وسلم-، وكذا قوله: "منْ السنّة كذا"، و"أُمرنا بكذا"، و"نُهينا عن كذا"، عَلَى الأصحّ فِي كلّ ذلك، قَالَ الحافظ السيوطيّ رحمه الله تعالى فِي "ألفية الْحَدِيث":
وَلْيُعْطَ حُكْمَ الرَّفْعِ فِي الصَّوَابِ ... نَحْوُ "مِنَ السُّنَّةِ" مِنْ صَحَابِي
كَذَا "أُمِرْنَا" وَكَذَا "كُنَّا نَرَى ... فِي عَهْدِهِ" أَوْ عَن إِضَافَةِ عَرَى
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي الذبح، والنحر:
قَالَ العلّامة ابن قُدامة رحمه الله تعالى فِي "المغني" 13/ 303 - 304: وأما المحل فالحلق واللبة، وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، ولا يجوز الذبح فِي غير هَذَا المحل بالإجماع. وَقَدْ روي فِي حديث، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ: "الذكاة فِي الحلق واللبة" (?)، قَالَ أحمد: الذكاة فِي الحلق واللبة. واحتج بحديث عمر، وهو ما روى سعيد، والأثرم، بإسنادهما عن الفرافصة، قَالَ: كنا عند عمر، فنادى أن النحر فِي اللبة والحلق، لمن قدر (?). وإنما نَرَى أن الذكاة اختصت بهذا المحل؛ لأنه مجمع العروق، فتنفسخ بالذبح فيه الدماء السيالة، ويُسرع زُهُوق النفس، فيكون أطيب للحم، وأخفّ عَلَى الحيوان، قَالَ أحمد: لو كَانَ حديث أبي العُشَراء حديثا، يعني ما روى أبو العشراء، عن أبيه، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه سئل أما تكون الذكاة إلا فِي الحلق واللبة؟، فَقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو طعنت فِي فخذها لأجزأ عنك"، قَالَ أحمد: أبو العشراء، هَذَا ليس بمعروف.
وأما الفعل: فيعتبر قطع الحلقوم والمريء، وبهذا قَالَ الشافعيّ. وعن أحمد رواية أخرى: أنه يعتبر مع هَذَا قطع الودجين، وبه قَالَ مالك، وأبو يوسف؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه، قَالَ: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عن شَرِيطة الشيطان، وهي التي تذبح، فيُقطع الجلد، ولا تُفرَي الأوداج، ثم تترك حَتَّى تموت". رواه أبو داود (?).