والشافعي يقول عائشة رضي الله تعالى عنها: "كنت أفتِل قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم يقلدها بيده، ثم يبعث بها، ولا يحرم عليه شيء، أحله الله له، حَتَّى ينحر الهدي"، متَّفقٌ عليه.
وَقَالَ أبو حنيفة: لا يكره ذلك؛ لأنه لا يحرم عليه الوطء، واللباس، فلا يكره له حلق الشعر، وتقليم الأظافر، كما لو لم يُرِد أن يضحي.
قَالَ: ولنا ما روت أم سلمة رضي الله تعالى عنها، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ: "إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يُضَحِّي، فلا يأخد منْ شعره، ولا منْ أظفاره شيئا، حَتَّى يضحي"، رواه مسلم. ومقتضى النهي التحريم، وهذا يرد القياس ويبطله، وحديثهم عامّ، وهذا خاص يجب تقديمه، بتنزيل العامّ عَلَى ما عدا ما تناوله الْحَدِيث الخاص، ولأنه يجب حمِل حديثهم عَلَى غير محل النزاع؛ لوجوه: [منها]: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، لم يكن ليفعل ما نَهَى عنه، وإن كَانَ مكروها، قَالَ الله تعالى؛ إخبارًا عن شعيب -عليه السلام-: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} الآية [هود: 88]، ولأن أقل أحوال النهي أن يكون مكروها، ولم يكن النبيّ-صلى الله عليه وسلم- ليفعله، فيتعين حمل ما فعله فِي حديث عائشة عَلَى غيره. ولأن عائشة تعلم ظاهرا، ما يباشرها به، منْ المباشرة، أو ما يفعله دائما، كاللباس، والطيب، فأما ما يفعله نادرًا، كقص الشعر، وقلم الأظافر، مما لا يفعله فِي الأيام إلا مرة، فالظاهر أنها لم ترده بخبرها، وإن احتمل إرادتها إياه، فهو احتمال بعيد، وما كَانَ هكذا، فاحتمال تخصيصه قريب، فيكفي فيه أدنى دليل، وخبرنا دليل، فكان أولى بالتخصيص. ولأن عائشة تخبر عن فعله، وأم سلمة عن قوله، والقول يُقَدَّم عَلَى الفعل؛ لاحتمال أن يكون فعله خاصا له. إذا ثبت هَذَا، فإنه يَترُك قطع الشعر، وتقليم الأظافر، فإن فعل استغفر الله تعالى، ولا فدية فيه إجماعا، سواء فعله عمدا، أو نسيانا. انتهى كلام ابن قُدمة رحمه الله تعالى فِي "المغني" 13/ 362 - 363.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي حقّقه ابن قُدامة رحمه الله تعالى تحقيقٌ حسنٌ جدًا.
والحاصل أن أرجح الأقوال هو القول بتحريم الأخذ منْ الشعر، والأظفار، إذا دخل عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحّي، حَتَّى يضحّي؛ لوضوح دليله. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي حكم الأضحيّة:
قَالَ الإِمام ابن قُدامة رحمه الله تعالى: أكثر أهل العلم، يرون الأضحية سنة مؤكدة، غير واجبة، رُوي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وبلال، وأبي مسعود البدري، رضي الله