[أَحَدهَا]: جَواب الشَّافِعِيّ السَّابِق، أن الْمُرَاد نفي الْوُجُوب. [والثَّانِي]: أن الْمُرَاد نَفْيُ ما كانُوا يذْبَحُون لِأصْنَامِهِمْ. [والثَّالِث]: أنَّهُما لَيْسَا كالأضْحِيَّةِ فِي الاسْتِحْباب، أو فِي ثوَاب إِراقة الدَّم، فأمَّا تفرِقة اللَّحم عَلَى المَسَاكِين، فبِرّ وَصَدَقة. وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيّ فِي "سُنَن حرملة" أَنَّها إن تيسَّرتْ كُلّ شَهْر، كَانَ حَسَنًا. قَالَ النوويّ: هَذَا تَلْخِيص حُكْمهَا فِي مَذْهَبنَا. وادَّعَى القَاضِي عِيَاض، أنَّ جمَاهِير العُلَمَاء عَلَى نَسْخ الْأَمْر بِالْفَرَعِ، والْعَتِيرَة. واللهُ أعْلم. انتهى كلام النوويّ (?).
وَقَالَ فِي "الفتح": عند قَوْله: "كَانُوا يَذْبَحُونهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ"، زاد أبُو دَاوُدَ عَنْ بعْضهمْ: "ثُمَّ يأْكُلُونهُ، ويُلْقَى جِلْده عَلَى الشَّجَر": ما حاصله: فِيهِ إِشَارة إِلى عِلَّة النَّهي، واسْتَنْبَطَ الشَّافِعِي مِنْهُ الجَوَاز، إِذَا كَانَ الذَّبْح لِلَّهِ، جمعًا بينه وبين حدِيث: "الْفَرَع حَقّ"، وهُو حدِيث أخرجهُ أبُو داوُد، والنَّسائِيُّ (?)، والْحَاكِم، منْ رِواية داوُد بن قَيْس، عن عمرو ابْن شُعَيب، عَنْ أبِيهِ، عنْ جَدّه، عبد الله بْن عَمْرو. كذا فِي رِواية الْحَاكِم: "سُئِل رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، عن الْفَرَع؟، قَالَ: "الْفَرَع حَقّ"،، وأَنْ تترُكهُ حَتَّى يكُون بِنْت مَخَاض، أو ابْن لبُون، فَتَحمِل عَلَيْهِ فِي سبِيل الله، أو تُعْطِيه أرْمَلَة، خَيْر منْ أنْ تَذْبحهُ، يَلْصَقُ لَحْمه بِوبرِهِ، وتُوَلِّهَ نَاقَتك"، ولِلْحاكِمِ منْ طرِيق عمَّار بن أبِي عمَّار، عن أبِي هُريرة منْ قوْله: "الْفَرَعَة حَقّ، ولا تَذْبحهَا، وهِي تَلْصَق فِي يَدك، ولكِن أمْكِنْها منْ اللَّبن، حتَّى إِذَا كانت منْ خِيار الْمَال، فَاذْبَحَهَا".
قَالَ الشَّافِعِيّ فِيما نقلهُ البيهقِيُّ، منْ طرِيق الْمُزَنِيِّ عنهُ: الْفَرَع شَيْء كَانَ أهل الجَاهِلِيَّة يَذْبحُونهُ، يطلُبُون بِهِ البَرَكَة فِي أمْوالهمْ، فَكَانَ أحَدهمْ يَذْبَح بِكْر نَاقَته، أوْ شَاته، رَجَاء البرَكَة فِيما يأتِي بَعْده، فَسَألُوا النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ حُكْمَهَا، فأعْلَمْهُمْ أَنَّهُ لا كَراهَة عَلَيهِمْ فِيهِ، وأَمَرَهُمْ اسْتِحْبابًا أنْ يترُكُوهُ، حَتَّى يُحمل عَلَيْهِ فِي سبِيل الله.
وقوْله: "حَقّ": أيْ لَيْسَ بِباطِلٍ، وهُو كَلام خَرجَ عَلَى جَواب السَّائل، ولا مُخَالَفَة بَيْنه وَبَيْن حَدِيث الآخَر: "لا فَرَع، ولا عَتِيرَة"، فإِنَّ مَعْنَاهُ: لا فَرَع وَاجِب، ولا عَتِيرَة وَاجبَة. وَقَالَ غَيْره: مَعْنَى قَوْلَه: "لا فَرَع، ولا عَتِيرَة": أيْ لَيْسَا فِي تَأَكُّد الاسْتِحْبَاب كالأضْحِيَّةِ، والأوَّل أوْلى.
وَقَالَ النَّووِيّ: نَصَّ الشَّافِعِيّ فِي "سنن حَرْمَلَة" عَلَى أن الْفَرَع، والْعَتِيرَة مُسْتَحَبَّانِ، ويُؤيِّدهُ ما أخْرَجَهُ أبُو داوُد، والنَّسائِيُّ (?)، وابن ماجة، وصَحَّحَهُ الْحَاكِم، وَابْن الْمُنْذِر،