وأُجِيب بأنَّ فِي بقِيَّة الحديث الإشَارة إِلى سَلامة النَّبِيّ منْ ذَلِكَ، بقولِهِ: "فالمَعْصُوم منْ عصم الله تعالي"، فلا يلزم منْ وُجُود منْ يُشِير عَلَى النَّبِيّ بِالشَّرِّ، أنْ يَقبل مِنْهُ. وقِيل: المراد بـ"البِطَانتين" فِي حقّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- المَلَك، والشَّيْطَان، وإلَيْهِ الإشَارة بِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَلَكِنَّ الله أعَانَنِي عَلَيْهِ، فأسْلَمَ". انتهى (?).

(وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ") وفِي رِواية بعضهم "منْ عَصَمَهُ الله" بِزِيادةِ الضَّمِير، وهُو مُقدَّر فِي الرواية الأخْرَى. والمُراد بهِ إِثْبَات الأمُور كُلّها لِلّهِ تعالى، فهُو الَّذِي يعصِم منْ شَاءَ مِنهُم، فالمعصُوم منْ عصمهُ الله، لا مَنْ عصمتهُ نَفْسه، إِذْ لا يُوجَد منْ تَعْصِمهُ نَفْسه حَقِيقَة، إِلَّا إنْ كَانَ الله عَصَمَهُ.

وفِيهِ إِشارة إِلى أنَّ ثَمَّ قِسْمًا ثَالِثًا، وهُو أنَّ منْ يلِي أمُور النَّاس، قد يقبل منْ بِطانة الخير، دُون بِطانة الشَّرِّ دائِمًا، وهذا اللائِق بِالنَّبِيّ، ومِن ثمَّ عبَّر فِي آخِر الحَديث بِلفظةِ "الْعِصْمَة". وَقَدْ يقبل منْ بِطانة الشَّرِّ، دُون بِطانةِ الخير، وهذا قَدْ يُوجد، ولا سِيَّمَا مِمَّنْ يكُون كافِرًا، وَقَدْ يَقْبَل منْ هؤُلاءِ تَارَة، ومن هؤُلاءِ تَارَة، فإِن كَانَ عَلَى حَد سَوَاء، فلَمْ يَتَعرَّض لهُ فِي الحديث؛ لِوُضُوحِ الحال فِيهِ، وإن كَانَ الأغْلب عَلَيْهِ القبُول منْ أحَدهمَا، فهُو مُلحق بِهِ، إن خيرًا فَخَير، وإِن شرًّا فَشَرّ.

وفِي معنى حدِيث الباب، حدِيث عائِشة رضي الله تعالى عنها، مَرْفُوعًا: "مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ عَمَلاً، فأراد الله بِهِ خَيرًا، جعل لهُ وزِيرًا صَالِحًا، إنْ نَسِيَ ذَكَّرهُ، وَإنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ" (?).

قَالَ ابْن التِّين رحمه الله تعالى: يَحْتمِل أن يكُون المراد بـ"البِطَانَتَيْنِ" الْوَزيرَيْنِ، وَيَحْتمِل أن يكُون الملك والشَّيْطان. وَقَالَ الْكَرْمانِيُّ رحمه الله تعالى: يَحْتَمِل أنْ يَكُون المُراد بـ "البِطَانَتَيْنِ" النَّفْس الأمَّارة بِالسُّوءِ، والنَّفْس اللَّوَّامة المُحَرِّضة عَلَى الْخَيْر؛ إِذْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قُوَّة مَلَكِيَّة، وقُوَّة حَيَوانِيَّة. انتهى.

قَالَ الحافظ رحمه الله تعالى: والْحَمْل عَلَى الْجَمِيع أَوْلَى، إِلَّا أَنَّهُ جَائِز، أَنْ لا يكُون لِبعْضِهِمْ إِلَّا البعض. وَقَالَ المُحِبّ الطَّبرِيُّ رحمه الله تعالى: الْبِطَانَة: الأوْلِيَاء والأصْفِياء، وَهُوَ مَصْدرٌ وُضِعَ مَوْضِع الِاسْم، يَصْدُق عَلَى الْوَاحِد، والِاثْنَيْنِ، والْجَمْع، مُذَكَّرًا، وَمُؤَنَّثًا. انتهى (?). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015