وأما الثاني فليس فيه تعرّض لكيفيّة القسم، لكن ظاهره التسوية، وبها قال المزنيّ، وطائفة، فيحتاج من جعل سبيله الميراث إلى دليل.
وذهب الأكثر إلى تعميم ذوي القربى في قسمة سهمهم عليهم، بخلاف اليتامى، فيخص الفقراء منهم عند الشافعيّ، وأحمد. وعن مالك يعمّهم في الإعطاء. وعن أبي حنيفة يخصّ الفقراء من الصنفين. وحجة الشافعيّ أنهم لما منعوا الزكاة عُمّوا بالسهم، ولأنهم أُعطوا بجهة القرابة، إكرامًا لهم، بخلاف اليتامى، فإنهم أعطوا لسدّ الخلّة. ذكر هذا كلّه في "الفتح" (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: القول بالتعميم هو الذي يرتجحه المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في كلامه الآتي، لكنه يخصّه بالفقراء، وسيأتي البحث في ذلك عند ذكر المصنّف له، إن شاء اللَّه تعالى.
(ومنها): أنه استُدلّ به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة، فإن ذوي القربى لفظٌ عامّ، خُصّ ببني هاشم، والمطلب. قال ابن الحاجب: ولم يُنقل اقتران إجماليّ، مع أن الأصل عدمه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
4139 - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى, قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ, قَالَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ, عَنِ الزُّهْرِيِّ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ, عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ, قَالَ: لَمَّا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى, بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ, أَتَيْتُهُ أَنَا, وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ, فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, هَؤُلاَءِ بَنُو هَاشِمٍ, لاَ نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ, لِمَكَانِكَ الَّذِي جَعَلَكَ اللَّهُ بِهِ مِنْهُمْ, أَرَأَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ, أَعْطَيْتَهُمْ وَمَنَعْتَنَا, فَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ, وَلاَ إِسْلاَمٍ, إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ, وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ» , وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وتقدّموا غير مرّة.
وقوله: "لمكانك" أي لمكانتك، وفضلك، أي لا ننكر فضلهم بسبب فضلك الذي جعلك اللَّه مقرونًا به، أي بذلك الفضل، حال كونك منهم، فحصل لهم بذلك فضلٌ أَيْ شرفٌ.
وقوله: "بمنزلة" أي بدرجة واحدة في النسب والفضل.