المستحقين من حقوقهم، مستأثرًا بها (فَكَيْفَ يَنْجُو مَنْ كَثُرَتْ خُصَمَاؤُهُ) أي لأنهم يستوفون حقوقهم من حسناته، فإن لم تف حسناته، حُمَّل خطاياهم، فدخل النار، كما أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه -، أن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "أتدرون ما المفلس؟ "، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له، ولا متاع، فقال: "إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقْضَى ما عليه، أُخذ من خطاياهم، فطُرِحت عليه، ثم طرح في النار".
وقال السنديّ: قوله: "من كثرت خصماؤه" الظاهر من جهة الخطّ والسَّوْق أن "من" بفتح الميم، موصولة، فاعل "ينجو". ويحتمل على بُعْد أن فاعل "ينجو" ضمير أبيه، و"من" جارّة، فيتأمّل. انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الاحتمال الذي ذكره السنديّ بعيد عن سياق الحديث، فلا ينبغي ارتكابه. واللَّه تعالى أعلم.
(وَإِظْهَارُكَ الْمَعَازِفَ) بعين مهمدة، وزاي معجمة، وفاء: أي آلات اللَّهو. قال المجد: و"المعازف":الملاهي، كالعُود، والطُّنبور، الواحد عزفٌ، أو مِعرْفٌ، كمِنبر، ومِكنسة. انتهى. وقال الفيّوميّ: عرّف عزفًا، من باب ضرب، وعزِيفًا: لعِب بالمعازف، وهي آلات يُضرب بها، الواحد عزْف، مثلُ فلس، على غير قياس. قال الأزهري: وهو نقلٌ عن العرب، قال: وإذا قيل: المعزفُ بكسر الميم- فهو نوع من الطَّنابير، يتّخذه أهل اليمن، قال: وغير الليث يجعل العُود مِعزفًا. وقال الجوهري: المعازف: الملاهي. انتهى.
(وَالْمِزْمَارَ) بكسر الميم: آلة الزَّمرِ، أي الغناء، يقال: زمر يزمر، من بابي نصر، وضرب، زمرًا، وزمِيرًا، وزمَّر تزميرا: إذا غنّى في القصب. قاله في "القاموس" (بدْعةٌ في الإسلام) أي مُحدث فيه، حيث إن الشارع ذمّه، بل نهى عنه، فقد أخرج البخاريّ في "صحيحها" من طريق الرحمن بن غنم الأشعريّ، قال: حدثني أبو عامر، أو أبو مالك الأشعريّ، واللَّه ما كذبني، سمع النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول: "ليكوننّ من أمتي أقوام، يستحلون الحِر، والحرير، والخمر، والمعازف، ولينزلنّ أقوام إلى جنب علم، يرُوح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم -يعني الفقير لحاجة- فيقودون: ارجع إلينا غدا، فيُبيِّتهم اللَّه، ويضعِ العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير، إلى يوم القيامة".
(وَلَقَدْ هَمَمْتُ) بفتح الميم: أي قصدت، يقال: هممتُ بالشيء همّا، من باب قتل: إذا أردته، ولم تفعله. قاله الفيّوميّ (أَنْ أَبْعَثَ إِلَيْكَ مَنْ يَجُزُّ) بجيم، وزاي مشدّدة، من باب نصر: أي يقطع (جُمَّتَكَ) بضمّ الجيم، وتشديد الميم: مُجتمع شعر الرأس، قاله المجد. وقال الفيّوميّ: والجُمة من الإنسان: مُجتمع شعر ناصيته، يقال: هي التي تبلُغ