وفي رواية مسلم المذكورة: "كتبت تسألني عن الخمس لمن هو؟، فأبى علينا قومنا".

قال القرطبيّ: هذا الخمس المسؤول عنه هو خمس الخمس، لا خمس الغنيمة، ولا يقول ابن عبّاس، ولا غيره: إن خمس الغنيمة يُصرف في القرابة، وإنما يُصرف إليهم خمس الخمس، على قول من يقسم الغنيمة على خمسة أخماس، وهو مذهب الشافعيّ، وأحمد بن حنبل. انتهى ببعض تصرّف (?).

وقال النوويّ: قوله: "أبى علينا قومنا ذاك": أي رأوا أنه لا يتعيّن صرفه إلينا، بل يصرفونه في المصالح، وأراد بقومه ولاة الأمر من بني أمية، قال: وقد قال الشافعيّ -رحمه اللَّه تعالى-: يجوز أن ابن عبّاس أراد بقوله: "أبى ذاك علينا قومنا" من بعد الصحابة، وهم يزيد بن معاوية. واللَّه أعلم. انتهى (?).

(لِمَنْ تَرَاهُ؟) أي لمن تعتقده، لقربى رسول اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، أم يصرف الإمام في مصالح المسلمين؟. وقال السنديّ: وكأنه تردّد أنه لقربى الإمام، أو لقربى الرسول - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، فبيّن له ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - أن المراد الثاني، لكن الدليل الذي استدلّ به على ذلك، لا يتمّ؛ لجواز أن النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - قسم لهم ذلك؛ لكونه هو الإمام، فقرابته قرابة الإمام، لا لكون المراد قرابة الرسول - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، إلا أن يُقال: المراد قسم لهم مع قطع النظر عن كونه إمامًا، والمتبادر من نظم القرآن، هو قرابة الرسول - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، مع قطع النظر عن هذا الدليل، فليتأمّل. واللَّه تعالى أعلم. انتهى (?).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الاحتمال الذي ذكره السنديّ، من جواز أنه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - إنما قسم لهم لكونه هو الإمام الخ، بعيدٌ جدًّا عن سياق الآية، كما اعترف به هو في آخر كلامه، حيث قال: والمتبادر من نظم القرآن الخ، ودعواه عدم استدلال ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - على ما قاله بقسم رسول اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - لهم، غير صحيح، فإن رسول اللَّه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم إنما قسم لهم عملاً بما في الآية، وقد اعترف نفسه بأن المتبادر نظم الآية هو المعنى الثاني، وهو المتبادر أيضًا من فعده - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، فاستدلال ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - تامٌ، فتبصّر، ولا تتحيّر، واللَّه تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015