تَعَالَى -: وفيه ما يدلّ على أن النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - كان يعلم ما يكون بعده في أمّته من الفتن، والتقاتل، ويدلّ أيضًا على قرب وقوع ذلك من زمانه، فإنه خاطب بذلك أصحابه، وظاهره أنه أرادهم؛ لأنه بهم أعنى، وعليهم أحنَى، ويحتمِلُ غير ذلك. انتهى (?).
(ومنها): ما قاله المازريّ -رحمه اللَّه تعالى-: أنه تعلق بهذا الحديث من أنكر حجيّة الإجماع، من أهل البدع، قال: لأنه نهى الأمة بأسرها عن الكفر، ولولا جواز اجتماعها عليه، لما نهاها عنه، هاذا جاز اجتماعها على الكفر، فغيره من الضلالات أولى، وإذا كان ممنوعًا اجتماعها عليه لم يصحّ النهي عنه.
وهذا الذي قاله خطأ؛ لأنّا إنما نشترط في التكليف أن يكون ممكنًا متأتّيًا من المكلّف، هذا أيضًا على رأي من منع تكليف ما لا يُطاق، واجتماع الأمة على الكفر، وإن كان ممتنعًا، فإنه لم يمتنع من جهة أنه لا يمكن، ولا يتأتّى، ولكن من جهة خبر الصادق عنه أنه لا يقع، وقد قال اللَّه تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} الآية [الزمر: 65] والشرك قد عُصم منه النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، وبعد هذا نزل عليه مثل هذا، على أن المراد بهذا الخطاب كلّ واحد في عينه، أو جمهور الناس، وهذا لا يُنكر أحدٌ أن يكون مما يصحّ حمل هذا الخطاب عليه. انتهى المقصود من كلام القاضي (?). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
4128 - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ, قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ, عَنِ الأَعْمَشِ, عَنْ أَبِي الضُّحَى, عَنْ مَسْرُوقٍ, عَنِ ابْنِ عُمَرَ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا, يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ, لاَ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجِنَايَةِ أَبِيهِ, وَلاَ جِنَايَةِ أَخِيهِ».
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: هَذَا خَطَأٌ, وَالصَّوَابُ مُرْسَلٌ).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: "أبو أحمد الزبيري": هو محمد بن عبد اللَّه بن الزبير الكوفيّ، ثقة ثبت، [9] 34/ 2239.
[تنبيه]: "الزبيريّ" بضمّ الزاي، مصغّرًا: نسبة إلى زبير جدّه، ووقع في "الكبرى" "الزُّبيديّ" بالدل المهملة، بدل الزاي، وهو تصحيف فاحشٌ، فتنبّه. واللَّه تعالى أعلم.
و"شريك": هو ابن عبد اللَّه النخعيّ الكوفيّ القاضي.