بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ, أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ, فَغَضِبَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ, فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَيْهِ جِدًّا, فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ, قُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ, أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ فَلَمَّا ذَكَرْتُ الْقَتْلَ, أَضْرَبَ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ أَجْمَعَ, إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ, مِنَ النَّحْوِ, فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا, أَرْسَلَ إِلَيَّ, فَقَالَ: يَا أَبَا بَرْزَةَ, مَا قُلْتَ؟ , وَنَسِيتُ الَّذِي قُلْتُ, قُلْتُ: ذَكِّرْنِيهِ, قَالَ: أَمَا تَذْكُرُ مَا قُلْتَ؟ , قُلْتُ: لاَ وَاللَّهِ, قَالَ: أَرَأَيْتَ حِينَ رَأَيْتَنِي غَضِبْتُ عَلَى رَجُلٍ, فَقُلْتَ: أَضْرِبُ عُنُقَهُ, يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ, أَمَا تَذْكُرُ ذَلِكَ؟ , أَوَكُنْتَ فَاعِلاً ذَلِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ وَاللَّهِ, وَالآنَ إِنْ أَمَرْتَنِي فَعَلْتُ, قَالَ: وَاللَّهِ مَا هِيَ لأَحَدٍ, بَعْدَ مُحَمَّدٍ - صلى اللَّه عليه وسلم -. قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: هَذَا الْحَدِيثُ أَحْسَنُ الأَحَادِيثِ, وَأَجْوَدُهَا, وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، غير شيخه، أبي داود، سليمان بن سيف الحرّانيّ، وهو ثقة، وقد تقدّم قبل ثلاثة أحاديث.
و"عفّان": هو ابن مسلم الصفّار البصريّ الثقة الثبت، من كبار [10] 21/ 427.
و"يزيد بن زُيع": هو أبو معاوية البصريّ، كان يُقال له: ريحانة البصرة ثقة ثبت [8] 5/ 5. و"يونس بن عُبيد": هو العبديّ، أبو عُبيد البصريّ، ثقة ثبت فاضلٌ ورعٌ [5] 88/ 109.
و"عبد اللَّه بن مُطرِّف بن عبد اللَّه بن الشِّخِّير" بكسر المعجمة، وتشديد الخاء المعجمة، بعدها تحتانيّة ساكنة، ثم راء- العامريّ، أبو جَزْء بفتح الجيم، وسكون الزاي، بعدها همزة- البصريّ، صدوقٌ [3].
روى عن أبي برزة. وعنه حُميد بن هلال، وكاتبه عطيّة السّرّاج. وقتادة. مات قبل أبيه. ذكره ابن حبّان في "الثقات". تفرد به المصنّف، وأبو داود بهذا الحديث فقط. وقوله: "أضرب عن ذلك الحديث": أي أعرض عنه، يقال: ضربت عن الأمر، وأضربت بالألف: أعرضت تركًا، أو إهمالًا. قاله الفيّوميّ.
وقوله: "أجمع" توكيد لـ "ذلك الحديث". قال الفيّوميّ: وجاءوا بأجمعِهم بفتح الميم، وقد تُضمّ، حكاه ابن السِّكيت، وقبضتُ المال أجمعهُ، وجميعه، فتؤكّد به كلّ ما يصحّ افتراقه حِسًّا، أو حُكمًا. انتهى. وقوله: "إلى غير ذلك" متعلّق بحال محذوف، أي حال كونه منتقلًا إلى غير ذلك الحديث. وقوله: "من النحو": قال في "القاموس": النحو أي بفتح، فسكون-: الطريق، والجِهة، جمعه أنحاء، ونُحُو. انتهى. والمعنى هنا أنه أعرض عن ذلك الكلام الذي غضب من أجله، منتقلًا إلى غير ذلك من جهة الكلام.
وقوله: "أو كنت فاعلًا" بفتح الواو، لا بسكونها: هي همزة الاستفهام، وواو العطف.