ولا يحلّ له أن يَفدي نفسه بغيره ويسأل اللَّه تعالى العافية في الدنيا والآخرة.
واختُلف في الزنا، فقال مطرّفٌ، وأصبغ، وابن عبد الحكم، وابن الماجشون: لا يفعل أحدٌ ذلك، وإن قُتل لم يفعله، فإن فعله فهو آثم، ويلزمه الحدّ، وبه قال أبو ثور، والحسن.
قال ابن العربيّ: الصحيح أنه يجوز الإقدام على الزنى، ولا حدّ عليه؛ خلافًا لمن ألزمه ذلك؛ لأنه رأى أنها شهوة خِلقيّة، لا يُتصوّر الإكراه عليها، وغفل عن السبب في باعث الشهوة، وهو الإلجاء إلى ذلك، وهو الذي أسقط حكمه، وإنما يجب الحدّ على شهوة بَعَث عليها سبب اختياريّ، فقاس الشيء على ضدّه، فلم يحلّ بصواب من عنده. وقال ابن خُوَيز مَنْدَاد في "أحكامه": اختلف أصحابنا يعني المالكيّة- متى أُكره الرجل على الزنى، فقال بعضهم: عليه الحدّ؛ لأنه إنما يفعل ذلك باختياره. وقال بعضهم: لا حدّ عليه. قال ابن خُويز منداد: وهو الصحيح. وقال أبو حنيفة: إن أكرهه غير السلطان حُدّ، وإن أكرهه السلطان، فالقياس أن لا يُحدّ، ولكن أستحسن ألا يُحدّ، وخالفه صاحباه، فقالا: لا حدّ عليه في الوجهين. ولم يُراعوا الانتشار، وقالوا: متى علم أنه يَتخلّص من القتل بفعل الزنى جاز أن ينتشر. قال ابن المنذر: لا حدّ عليه، ولا فرق بين السلطان في ذلك، وغير السلطان. انتهى.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله ابن المنذر هو الصحيح عندي، كما سبق تصحيح ابن العربيّ، وابن خُويز منداد له. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): اختلف أهل العلم في طلاق المكره، وعتقه، فقال الشافعيّ وأصحابه: لا يلزمه شيء. وذكر ابن وهب عن عمر، وعليّ، وابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهم - أنهم كانوا لا يرون طلاقه شيئًا. وذكره ابن المنذر عن ابن الزبير، وابن عمر، وابن عبّاس، وعطاء، وطاوس، والحسن، وشُريح، والقاسم، وسالم، ومالك، والأوزاعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
وأجازت طائفة طلاقه، روي ذلك عن الشعبيّ، والنخعيّ، وأبي قلابة، والزهريّ، وقتادة، وهو قول الكوفيين، قال أبو حنيفة: طلاق المكره يلزم؛ لأنه لم يُعدَم فيه أكثرُ من الرضا، وليس وجوده بشرط في الطلاق كالهازل. وهذا قياسٌ باطلٌ، فإن الهازل قاصدٌ إلى إيقاع الطلاق، راضٍ به، والمكره غير راض، ولا نيّة له في الطلاق، وقد قال - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيّات". وفي "صحيح البخاريّ": وقال ابن عبّاس، فيمن يُكرهه اللصوص، فيُطلّق: ليس بشيء، وبه قال ابن عمر، وابن