النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - أبا موسى، ومعاذًا إلى اليمن، فقال: يسّرا، ولا تعسّرا" الحديث. ويُحمَل أنه أضاف معاذًا إلى أبي موسى بعد سبق ولايته، لكن قبل توجّهه، فوصّاهما عند التوجّه بذلك. ويمكن أن يكون المراد أنه أوصى كلًّا منهما، واحدًا بعد آخر. انتهى (?).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الاحتمال الأخير هو الأقرب عندي؛ لأنه اختُلف في وقت بعث معاذ - رضي اللَّه تعالى عنه - إلى اليمن، فقيل: سنة عشر من الهجرة، قبل حجة النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم -، كما ذكره البخاريّ في أواخر "كتاب المغازي". وقيل: كان ذلك في أواخر سنة تسع عند منصرفه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - من تبوك. رواه الواقديّ بإسناده إلى كعب بن مالك، وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" عنه، ثم حكى ابن سعد أنه كان في ربيع الآخر سنة عشر. وقيل: بعثه عام الفتح سنة ثمان. واتفقوا على أنه لم يزل على اليمن إلى أن قَدِم في عهد أبي بكر - رضي اللَّه تعالى عنه -، ثم توجّه إلى الشام، فمات بها. واختُلف هل كان معاذٌ واليًا، أو قاضيًا؟، فجزم ابن عبد البرّ بالثاني، والغسّانيّ بالأول. قاله في "الفتح" (?).
فالظاهر من هذا أنهما لم يذهبا إلى اليمن معًا، بل ذهب كلّ منهما وحده. واللَّه تعالى أعلم.
(فَلَمَّا قَدِمَ) أي معاذ - رضي اللَّه تعالى عنه - إلى اليمن (قَالَ: أَيُّها النَّاسُ، إِنِّي رَسُولُ رسُولِ اللَّهِ إِليْكُمْ) إنما ذكر لهم ذلك ليعرفوا له حقّه، ويستجيبوا دعوته؛ لأنهم إذا لم يعلموا ربّما لا يتساهلون في حقّه (فَأَلقَى لَهُ أَبُو مُوسَى) الأشعريّ (وِسَادَةً) بكسر الواو: المِخَذة، والجمع وِسادات، ووَسَائدُ، والوِسَاد بغير هاء: كلُّ ما يُتوسّد به، من قُماش، وتُراب، وغير ذلك. ويقال: الوِساد لغةٌ في الوسادة. قاله في "المصباح".
والمعنى أن أبا موسى فرش لمعاذ - رضي اللَّه تعالى عنهما - وسادة (لِيَجْلِسَ عَلَيْهَا) قال في "الفتح": وقد ذكر الباجيّ، والأصيليّ، فيما نقله عياضٌ عنهما أن المراد بقول ابن عبّاس: "فاضطجعتُ في عَرْض الوسادة": الفراشُ. وردّه النوويّ، فقال: هذا ضعيفٌ، أو باطلٌ، وإنما المراد بالوسادة ما يُجعل تحت رأس النائم، وهو كما قال، قال: وكانت عادتهم أن من أرادوا إكرامه، وضعوا الوسادة تحته مبالغة في إكرامه. وقد وقع في حديث عبد اللَّه بن عمرو: إن النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - دخل عليه، فألقى له وِسادةً"، كما تقدّم في "الصيام"، وفي حديث ابن عمر: أنه دخل على عبد اللَّه