يحتجّون بأمر مجتهد آخر، وإذا قاله التابعيّ احتمل، والحاصل أن من اشتهر بطاعة رئيس إذا قال ذلك، فُهم منه أنّ الآمر له هو ذلك الرئيس. قاله في "الفتح" (?).
(أَنْ أُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ) هذه الرواية مفسّرة للروايات الآتية بلفظ: "أمرت أن أُقاتل الناس"، فالمراد بالناس هو المشركون (حَتَّى يَشْهَدُوا) [إن قيل]: جَعْلُ غاية المقاتلة وجودَ ما ذُكر في هذا الحديث، يقتضي أن من شهد الشهادتين، وأتى بهذه الأمور المذكورة، فقد حرم دمه، وماله، ولو جحد سائر الأحكام الشرعيّة.
[أُجيب]: بأن الشهادة بالرسالة تتضمّن التصديق بما جاء به، مع أن نصّ الحديث بقوله: "إلا بحقّها"، وفي رواية: "إلا بحقّ الإسلام" يدخل فيه جميع أحكام الشريعة.
وحكمة الاقتصار على ما ذكر أن من يقرّ بالتوحيد من أهل الكتاب، وإن صلُّوا، واستقبلوا، وذبحوا، لكنهم لا يُصلُّون مثل صلاتنا, ولا يستقبلون قبْلتنا، ومنهم من يذبح لغير اللَّه تعالى، ومنهم من لا يأكل ذبيحتنا, ولهذا قال: "وأكل ذبيحتنا"، والاطلاع على حال المرء في صلاته، وأكله يمكن بسرعة في أول يوم، بخلاف غير ذلك من أمور الدين. أفاده في "الفتح" (?).
(أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَإذَا شَهِدُوا أن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَلَّوْا صَلَاتَنَا) أي صلّوا كما نصلي نحن، فـ "صلاتنا" منصوب بنزع الخافض، وهو في نفس الأمر صفة لمصدر محذوف، أي صلّوا صلاة كصلاتنا (وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا) إنما ذكر استقبال القبلة، وإن كانت الصلاة متضمّنةٌ له، مشروطةً به؛ لأن القبلة أعرف من الصلاة، فإن كلّ أحد يَعرف قبلته، وإن كان لا يعرف صلاته؛ ولأن من أعمال صلاتنا ما هو موجود في صلاة غيرنا، كالقيام، والقراءة، واستقبالُ قبلتنا مخصوص بنا.
(وَأَكَلُوا ذَبَائِحَنَا) جمع ذبيحة، وفي رواية البخاريّ: "وذبحوا ذبيحتنا" أي ذبحوا المذبوح مثل مذبوحنا.
قال في "عمدة القاري": ثم لَمّا ذكر من العبادات ما يُميّز المسلم من غيره -يعني الصلاة- أعقبه بذكر ما يُميّزه عادةً وعبادةٌ، فقال: "وأكلوا ذبيحتنا"، فإن التوقّف عن أكل الذبائح كما هو من العادات، فكذلك هو من العبادات الثابتة في كلّ ملّة. قال الطيبيّ: وأقول -واللَّه أعلم-: إذا أُجري الكلام على اليهود، سَهُل تعاطى عطف الاستقبال على الصلاة بعد الدخول فيها، ويعضده اختصاص ذكر الذبيحة؛ لأن اليهود