لطائف هذا الإسناد:

(منها): أنه من سباعيات المصنف -رحمه اللَّه تعالى-. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح، غير شيخه، فقد تفرد به هو والترمذيّ، وأبي عبيدة، فإنه من رجال الأربعة. (ومنها): أنه مسلسل بالمدنيين، غير شيخه، وشيخ شيخه، فبصريان. (ومنها): أن فيه رواية تابعي عن تابعيّ، وفيه عروة من الفقهاء السبعة. واللَّه تعالى أعلم.

شرح الحديث

(عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) بن العوام -رحمه اللَّه تعالى-، أنه (قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ) - رضي اللَّه تعالى عنه - (يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) هذا تعريض بأنه أخطأ في هذه المسألة، فاستحقّ أن يَطلُب له المغفرةَ؛ لأن المجتهد، وإن كان يؤجر على اجتهاده، لكنه ربما يلام على خطئه، فيستحقّ أن يُطلب له المسامحة في ذلك، فقد أمر اللَّه بطلب عدم المؤاخذة، مع أن الخطأ مغفور، حيث قال اللَّه تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} الآية [البقرة: 286].

هذا بناء على ظنّ زيد بن ثابت - رضي اللَّه عنه -، وإلا فليس في حديث رافع بن خديج - رضي اللَّه عنه - خطأ، ولا نسيان، بل هو حفظه، كما حفظه الآخرون من الصحابة - رضي اللَّه عنهم - الذين سنشير إليهم قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى (أَنَا وَاللَّهِ أَعْلَمُ بِالحَدِيثِ مِنْهُ) الضمير مبتدأ، و"أعلم" خبره، واعترض بينهما القسم لإفادة التأكيد (إِنَّما كَانَا رَجُلَيْنِ) ضمير "كانا" للمتنازعين، و"رجلين" خبر "كان"، وفي رواية في "الكبرى" من طريق يزيد بن زُريع، عن عبد الرحمن بن إسحاق: " "إنما جاء رجلان، قد اقتتلا"، وفي رواية بشر بن المفضّل، عن عبد الرحمن أيضًا: "إنما جاء رجلان من الأنصار إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قد اقتتلا". وفي رواية أبي داود: "إنما أتاه رجلان". وقوله (اقْتَتَلَا) بالبناء للفاعل صفة لـ"رجلين"، ومعنى "اقتتلا": كادا يقتتلان من شدّة تنازعهما (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إن كَانَ هَذَا) التنازع، والتقاتُل (شَأْنُكُمْ) أي حالكم، وصفتكم في المزارعة (فَلَا تُكْرُوا المَزَارِعَ) أي تجنّبًا لهذه الحالة السيّئة (فَسَمِعَ قَوْلَهُ: "لَا تُكْرُوا المَزَارِعَ) يعنيب أنه ما سمع أول الحديث، وإنما سمع آخره، فحفظه ظانًّا أنه تمام الحديث، فأخطأ فيه. ومراد زيد بن ثابت - رضي اللَّه عنه - النهي مخصوصٌ بما إذا أدّى إلى النزاع، والخصام، وإلا فلا.

لكن هذا ظنّ زيد بن ثابت - رضي اللَّه عنه -، وإلا فليس رافع - رضي اللَّه عنه - تفرّد بحديث: "لا تكروا المزارع"، فقد حدّث به معه عن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من الصحابة: جابر بن عبد اللَّه، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدريّ - رضي اللَّه عنهم -، وأحاديثهم كلها صحيحة، وقد اتفق الشيخان عليها، كما تقدّم بيان ذلك كلّه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015