رافع بن خديج - رضي اللَّه عنه - بواسطة ابنه.

وهذا الذي رواه عمرو بن دينار مما جرى لمجاهد مع طاوس وقع له مثله معه، فقد أخرج الشيخان واللفظ لمسلم من طريق سفيان بن عُيينة، عن عمرو بن دينار، وعبد اللَّه بن طاوس، عن طاوس، أنه كان يخابر، قال عمرو: فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، لو تركت هذه المخابرة، فإنهم يزعمون أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، نهى عن المخابرة؟، فقال: أي عمرُو، أخبرني أعلمهم بذلك -يعني ابن عبّاس- أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، لم يَنْهَ عنها، إنما قال: "يمنح أحدكم أخاه، خير له من أن يأخذ عليها خرجا معلوما".

(فَاسْمَعْ مِنْهُ حَدِيثَهُ) أي الحديث الذي يحدّث به عن أبيه في النهي عن المخابرة، فإن المشهور في معنى المخابرة أنها المعاملة على الأرض ببعض ما يخرُج منها، فتدخل في النهي الصورة التي يتعامل بها طاوس، فأراد أن يسمع الحديث، فيترك تلك المعاملة.

(فَقَالَ) طاوس (إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - نَهَى عَنْهُ) أي عن هذا التعامل الذي أتعامله أنا في مؤاجرة الأرض (مَا فَعَلْتُهُ) هذا دليل على أن طاوسًا لم يصدّق بحديث النهي عن المخابرة على إطلاقه، وذلك لأنه يعتقد أن ابن عباس - رضي اللَّه عنهما - أعلم من رافع بن خديج - رضي اللَّه عنه -، فخديج وإن كان سمع ذلك إلا أنه أجراه على ظاهره، وابن عبّاس حمله على التنزيه، وهو أعلم منه، فيقدّم ما قاله، وقد سبق أن رافعًا - رضي اللَّه عنه - أيضًا قائل بهذا، على ما يدلّ عليه بعض رواياته، فتفطّن. واللَّه تعالى أعلم.

(وَلَكِنْ حَدَّثَني مَن هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ) أي من رافع بن خديج - رضي اللَّه عنه - الذي حدّث بالحديث على إطلاقه، ولم يقيده، ولم يفصّله. وقوله (ابْنُ عَبَّاسٍ) بالرفع بدل من "مَنْ هو"، أو عطف بيان له، ويجوز قطعه إلى الرفعِ بتقدير مبتدإ، أي هو ابن عبّاس، أو إلى النصب، أي أعني ابن عبّاس - رضي اللَّه عنهما - (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم - إِنَّمَا قَالَ) وفي رواية البخاريّ من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: قلت لطاوس: لو تركت المخابرة، فإنهم يزعمون أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - نهى عنه، قال: أي عمرُو، إني أُعطيهم وأُعِنيُهم، وإن أعلمهم أخبرني -يعني ابن عبّاس - رضي اللَّه عنهما - أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، لم ينه عنه، ولكن قال: "أن يمنح أحدكم أخاه، خير له من أن يأخذ عليه خَرْجًا معلومًا".

وقوله: "لم ينه عنه" أي عن إعطاء الأرض بجزء مما يخرُج منها, ولم يُرِد ابن عبّاس بذلك نفي الرواية المثبتة للنهي مطلقًا، وإنما أراد أن النهي الوارد عنه ليس على حقيقته، وإنما هو على الأولويّة. وقيل: المراد أنه لم ينه عن العقد الصحيح، وإنما نهى عن الشرط الفاسد، لكن قد وقع في رواية الترمذيّ: "أن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يُحرّم المزارعة"،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015