بالزوجية، دوان لم تُرضع؛ لأن اللَّه تعالى قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} الآية [البقرة:233]، والوارث ليس بزوج؛ ولأن المنفعة في الْحَضَانة، والرضاع غير معلومة، فجاز أن يكون عوضها كذلك. وروي عن أحمد رواية ثالثة: لا يجوز ذلك بحال، لا في الظئر، ولا في غيرها، وبه قال الشافعيّ، وأبو يوسف، ومحمد، وأبو ثور، وابن المنذر؛ لأن ذلك يختلف اختلافا كثيرًا، متباينًا، فيكون مجهولاً، والأجر من شرطه أن يكون معلومًا.
قال: ولنا ما روى ابنُ ماجه، عن عُتبة بن النُّذَّر، قال: كنا عند رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -، فقرأ {طس} حتى بلغ قصّة موسى - عليه السلام - قال: " إن موسى آجر نفسه ثماني سنين، أو عشرًا على عفّة فرجه، وطعام بطنه" (?)، وشرعُ من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يثبت نسخه. وعن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه - أنه قال: كنت أجيرًا لابنة غَزْوَان بطعام بطني، وعُقْبة رجلي، أَحطِب لهم إذا نرْلوا، وأَحدُو بهم إذا رَكِبُوا (?). ولأن من ذكرنا من الصحابة - رضي اللَّه عنهم - وغيرهم فعلوه، فلم يظهر له نكير، فكان إجماعًا, ولأنه قد ثبت في الظئر بالآية، فيثبت في غيرها بالقياس عليها, ولأنه عوض منفعة، فقام العرف فيه مقام التسمية، كنفقة الزوجة، ولأن للكسوة عرفًا، وهي كسوة الزوجات، وللإطعام عرف، وهي الإطعام في الكفّارات، فجاز إطلاقه كنقد البلد. ونخصّ أبا حنيفة بأن ما كان عوضًا في الرضاع جاز في الخدمة، كالأثمان.
إذا ثبت هذا، فإنهما إن تشاحّا في مقدار الطعام والكسوة رجع في القوت إلى الإطعام في الكفّارة، وفي الكسوة إلى أقلّ ملبوس مثله. قال أحمد: إذا تشاحّا في الطعام يُحكم له بمدّ كلَّ يوم، ذهب إلى ظاهر ما أمر اللَّه تعالى من إطعام المساكين، ففسَّرَت ذلك السنّة بأنه مدّ لكلّ مسكين، ولأن الإطعام مطلق في الموضعين، فما فُسّر به أحدهما يُفسّر به الآخر، وليس له إطعام الأجير إلا ما يوافقه من الأغذية؛ لأن عليه ضررًا, ولا