هدية واحد من هؤلاء، فإذا قبِل هديّة واحد فليس له أن يقبل هديّة الآخر، ومثله قوله
-عَزَّ وَجَلَّ-: {إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام: 146].
وقد ذكر السيوطيّ في "شرحه" نقلًا عن الأندلسيّ في "شرح المفصّل"، قال: سئل المزنيّ عن رجل حلف لا يكلّم أحدًا إلا كوفيًا، أو بصريًا، فكلّم كوفيًا وبصريًا؟، فقال: ما أراه إلا حانثًا، فأُنهي ذلك إلى بعض أصحاب أبي حنيفة المقيمين بمصر، فقال: أخطأ المزنيّ، وخالف الكتاب والسنّة، أما الكتاب، فقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} إلى قوله: {إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام: 146]، وأما السنّة فقوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لقد هممت أن لا أقبل هديّةً إلا من قرشيّ، أو ثقفيّ"، فالمفهوم أن القرشيّ والثقفيّ كانا مستثنيين، فذُكر أن المزنيّ لَمّا سمع بذلك رجع إلى قوله. انتهى (?). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أبي هريرة - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا صحيح.
أفإن قلت،: كيف يصحّ، وفيه ابن عجلان، وقد سبق آنفًا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -؟.
[قلت]: إنما صح لشواهده، فمنها ما تقدّم قريبًا من رواية أبي داود، والترمذيّ من طريق ابن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، وابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه، وما أخرجه الترمذيّ أيضًا من طريق أيوب بن مسكين، عن سعيد المقبريّ، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، وأيوب -كما في "التقريب" -صدوق، له أوهام، وما أخرجه أحمد 2/ 292 من طريق أبي معشر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه -، وأبو معشر اسمه نجيح بن عبد الرحمن، وهو ضعيف. وهذه الطرق، وإن كان فيها مقال، إلا أن مجموعها يصلح لتقوية رواية ابن عجلان. وله أيضًا شاهد من حديث ابن عباس - رضي اللَّه تعالى عنهما - عند ابن حبان (1145) والضياء المقدسي 62/ 281، وسنده صحيح، كما قال الشيخ الألبانيّ -رحمه اللَّه تعالى- (?).