فالجمهور أنه يتوجّه إلى الرقبة، كسائر الهبات، حتى لو كان المعمَر عبدًا، فأعتقه الموهوب له نفذ بخلاف الواهب. وقيل: يتوجّه إلى المنفعة، دون الرقبة، وهو قول مالك، والشافعيّ في القديم، وهل يُسلك به مسلك العارية، أو الوقف؟ روايتان عند المالكيّة. وعن الحنفيّة التمليك في العمرى يتوجّه إلى الرقبة، وفي الرقبى إلى المنفعة، وعنهم أنها باطلة. انتهى (?).
وقال العلاّمة ابن قُدامة -رحمه اللَّه تعالى-: العُمرى، والرُّقبَى نوعان من الهبة يَفتقران إلى ما يفتقر إليه سائر الهبات، من الإيجاب والقبول، والقبض، أو ما يقوم مقام ذلك عند من اعتبره. ثم ذكر صورة كلّ منهما، على ما سبق بيانه، ثم قال: وكلاهما جائزٌ في قول أكثر أهل العلم. وحُكي عن بعضهم أنها لا تصحّ؛ لأن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - قال: "لا تُعمِرُوا, ولا تُرقبوا". وحجة الجمهور حديث جابر - رضي اللَّه عنه -، قال: قال رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "العمرى جائزة لأهلها، والرقبى جائزة لأهلها". وهو حديث صحيح، رواه أصحاب السنن.
وأما قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا تعمروا الخ" فالنهي فيه إنما ورد على سبيل الإعلام لهم أنهم إن أعمروا، أو أرقبوا يكون ذلك للمُعمَر، والمُرْقَب، ولا يعود إليهم منه شيء، وسياق الحديث يدلّ على هذا، فإنه قال: "فمن أعمر عمرى، فهي لمن أُعمرها حيا وميتًا، ولعقبه".
إذا ثبت هذا، فإن العمرى تنقُل الملك إلى المعمر له. وبهذا قال جابر بن عبد اللَّه، وابن عمر، وابن عبّاس، وشُريحٌ، ومجاهد، وطاوس، والثوريّ، والشافعيّ، وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن عليّ.
وقال مالك، والليث: العمرى تمليك المنافع، لا تُملك بها رقبة المعمَر بحال، ويكون للمعمَر السكنى، فإذا مات عادت إلى المعمِر، وإن قال: له، ولعقبه، كان سكناها لهم، فإذا انقرضوا عادت إلى المعمر.
واحتجا بما روى يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، قال: سمعت مكحولاً يسأل القاسم بن محمد عن العمرى ما يقول الناس فيها؟ فقال القاسم: ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم، وما أَعطَوا. وقال إبراهيم بن إسحاق الحربيّ، عن ابن الأعرابيّ: لم يَختلف العرب في العمرى، والرقبى، والإفقار، والإخبال، والمنحة، والعريّة، والسكنَى، والإطراق أنها على ملك أربابها، ومنافعها