على أن الأمر للندب. لكن إطلاق الجور على عدم التسوية، والمفهوم من قوله: "لا اشهد إلا على حقّ" (?). وقد قال في آخر الرواية التي وقع فيها التشبيه: "قال: فلا إذًا".

[تاسعها]: عمل الخليفتين: أبي بكر، وعمر بعد النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - على عدم التسوية قرينة ظاهرة في أن الأمر للندب، فأما أبو بكر، فرواه في "الموطّإ" بإسناد صحيح، عن عائشة أن أبا بكر قال لها في مرض موته: "إني كنت نحلتك نُحلاً، فلو كنت اخترتيه لكان لك، وإنما هو اليوم للوارث". وأما عمر، فذكره الطحاويّ وغيره أنه نحل ابنه عاصمًا دون سائر ولده. وأجاب عروة عن قصّة عائشة بأن إخوتها كانوا راضين بذلك. ويجاب بمثل ذلك عن قصّة عمر - رضي اللَّه عنه -.

[عاشر الأجوية]: أن الإجماع انعقد على جواز عطيّة الرجل ماله لغير ولده، فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله، جاز له أن يُخرج عن ذلك بعضهم. ذكره ابن عبد البرّ. ولا يخفى ضعفه؛ لأنه قياس مع وجود النصّ. وزعم بعضهم أن معنى قوله: "لا أشهد على جور"، أي لا أشهد على ميل الأب لبعض الأولاد دون بعض. وفي هذا نظر لا يخفى، ويردّه قوله في الرواية: "لا أشهد إلا على الحقّ". وحكى ابن التين عن الداوديّ أن بعض المالكيّة احتجّ بالإجماع على خلاف ظاهر حديث النعمان - رضي اللَّه عنه -، ثم ردّه. ذكره في "الفتح".

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذكر من تحرير الأدلة أن المذهب الأول هو الراجح، فالحقّ وجوب التسوية بين الأولاد في العطيّة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

3700 - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ, وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ, قِرَاءَةً عَلَيْهِ, وَأَنَا أَسْمَعُ, عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ, عَنْ مَالِكٍ, عَنِ ابْنِ شِهَابٍ, عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, وَمُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ, يُحَدِّثَانِهِ (?) عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ’ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -’ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِى غُلاَمًا, كَانَ لِي, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ؟» , قَالَ: لاَ, قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «فَارْجِعْهُ»).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: رجال هذا الإسناد رجال الصحيح، غير شيخه الحارث، فتفرد به هو وأبو داود وهو ثقة حافظ. والحديث متّفقٌ عليه، كما سبق بيانه في الذي قبله. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015