قال: وهذا يُعلَم منه على القطع أنه كان له مالٌ غيره.
[ثانيها]: أن العطية المذكورة لم تُتنجّز، وإنما جاء بشيرٌ يستشير النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - في ذلك، فأشار عليه بأن لا يفعل، فترك. حكاه الطحاويّ، وفي أكثر طرق حديث الباب ما يُنابذه.
[ثالثها]: أن النعمان كان كبيرّا، ولم يكن قبض الموهوب، فجاز لأبيه الرجوع، ذكره الطحاويّ، وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث أيضًا خصوصًا قوله: "ارجعه"، فانه يدلّ على تقدّم وقوع القبض، والذي تضافرت عليه الروايات أنه كان صغيرًا، وكان أبوه قابضًا له لصغره، فأمر بردّ العطيّة المذكورة بعد ما كانت في حكم المقبوض.
[رابعها]: أن قوله: "ارجعه" دليل على الصحّة، ولو لم تصحّ الهبة لم يصحّ الرجوع، وإنما أمره بالرجوع لأن للواقد أن يرجع فيما وهبه لولده، وإن كان الأفضل خلاف ذلك، لكن استحباب التسوية رجح على ذلك، فلذلك أمره به، وفي الاحتجاج بذلك نظر، والذي يظهر أن معنى قوله: "ارجعه"، أي لا تمض الهبة المذكورة، ولا يلزم من ذلك تقدّم صحّة الهبة.
[خامسها]: أن قوله: "أشهد على هذا غيري" إذن بالإشهاد على ذلك، وإنما امتنع من ذلك لكونه الإمام، وكأنه قال: لا أشهد؛ لأن الإمام ليس من شأنه أن يشهد، وإنما من شأنه أن يحكم، حكاه الطحاويّ أيضًا، وارتضاه ابن القصّار.
وتُعُقّب بأنه لا يلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمّل الشهادة، ولا من أدائها إذا تعيّنت عليه، وقد صرّح المحتجّ بهذا أن الإمام إذا شهد عند بعض نؤابه جاز، وأما قوله: إن قوله: "أشهِدْ" صيغة إذن، فليس كذلك، بل هو للتوبيخ لما يدلّ عليه بقيّة ألفاظ الحديث، وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع.
وقال ابن حبّان: قوله: "أَشهِد" صيغة أمر، والمراد نفي الجواز، وهو كقوله لعائشة: "اشترطي لهم الولاء" انتهى.
[سادسها]: التمسّك بقوله: "ألا سوّيت بينهم" على أن المراد بالأمر الاستحباب، وبالنهي التنزيه، وهذا جيّد لولا ورود تلك الألفاظ الزائدة على هذه اللفظة، ولا سيّما أن تلك الرواية بعينها وردت بصيغة الأمر أيضًا، حيث قال: "سوّ بينهم".
[سابعها]: وقع عند مسلم عن ابن سيرين ما يدلّ على أن المحفوظ في حديث النعمان: "قاربوا بين أولادكم"، لا "سوّوا". وتعُقّب بأن المخالفين لا يوجبون المقاربة، كما لا يوجبون التسوية.
[ثامنها]: في التشبيه الواقع في التسوية بينهم بالتسوية منهم في برّ الوالدين قرينة تدلّ