نعم لو قال: تصدّقتُ بكذا على كذا، وذكر جهة عامّة صحّ. وتمسّك من أجاز الاكتفاء بقوله: تصدّقتُ بكذا بما وقع في حديث الباب من قوله: "فتصدّق بها عمر". ولا حجة في ذلك؛ لما تقدّم من أنه أضاف إليها: "لا تباع، ولا توهب". ويحتمل أيضًا أن يكون قوله: "فتصدّق بها عمر" راجعًا إلى الثمرة على حذف مضاف، أي فتصدّق بثمرتها، فليس فيه متعلَّقٌ دمن أثبت الوقف بلفظ الصدقة، مجرّدًا، وبهذا الاحتمال الثاني جزم القرطبيّ. (ومنها): جواز الوقف على الأغنياء؛ لأن ذوي القربى، والضيف، لم يُقيّدا بالحاجة، وهو الأصحّ عند الشافعيّة. (ومنها): أن للواقف أن يشترط لنفسه جزءًا من ريع الموقوف؛ لأن عمر - رضي اللَّه عنه - شرط لمن ولي وقفه أن يأكل منه بالمعروف، ولم يستثن إن كان هو الناظر، أو غيره، فدلّ على صحّة الشرط، وإذا جاز في المبهم الذي تعيّنه العادة، كان فيما يعيّنه هو أجوز.
(ومنها): جواز إسناد الوصيّة، والنظر على الوقف للمرأة، وتقديمها على من هو من أقرانها من الرجال. (ومنها): جواز إسناد النظر إلى من لم يُسمّ، إذا وُصف بصفة معيّنة تُميّزه. (ومنها): أن الواقف يلي النظر على وقفه إذا لم يُسنده لغيره، قال الشافعيّ -رحمه اللَّه تعالى-: لم يزل العدد الكثير من الصحابة، فمن بعدهم يَلُون أوقافهم، نقل ذلك الألوف عن الألوف، لا يختلفون فيه.
(ومنها): أنه استُدلّ به على جواز الوقف على الوارث في مرض الموت، فإن زاد على الثلث رُدّ، وإن خرج منه لزم، وهو إحدى الروايتين عن أحمد؛ لأن عمر - رضي اللَّه عنه - جعل النظر بعده لحمْصة، وهي ممن يرثه، وجعل لمن ولي وقفه أن يأكل منه.
وتُعُقّب بأن وقف عمر - رضي اللَّه عنه - صدر منه في حياة النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، والذي أوصى به إنما هو شرط النظر.
(ومنها): أنه استُدلّ به على أن الواقف إذا شرط للناظر شيئًا أخذه، وإن لم يشترطه له لم يجز، إلا إن دخل في صفة أهل الوقف، كالفقراء والمساكين، فإن كان على معيّنين، ورضوا بذلك جاز. (ومنها): أنه استدلّ به على أن تعليق الوقف لا يصحّ؛ لأن قوله: "حبّس الأصل" يناقض تأقيته. وعن مالك، وابن سُريج يصحّ. (ومنها): أنه استُدلّ بقوله: "لا تباع" على أن الوقف لا يُناقل به. وعن أبي يوسف إن شرط الواقف أنه إذا تعطّلت منافعه بيع، وصُرف ثمنه في غيره، ويوقف فيما سمي في الأول، وكذا إن شرط البيع إذا رأى الحظّ في نقله إلى موضع آخر. (ومنها): أنه استدلّ به على جواز وقف المشاع؛ لأن المائة سهم التي كانت لعمر بخيبر لم تكن منقسمة. وفيه أنه لا سراية في الأرض الموقوفة، بخلاف العتق، ولم يُنقل أن الوقف سرى من حصّة عمر إلى غيرها