وقف عمر - صلى اللَّه عليه وسلم - من طريق يحيى بن سعيد الأنصاريّ، قال: "نسخها لي عبد اللَّه بن عبد الحميد بن عبد اللَّه بن عمر"، فذكره، وفيه: "غير متأثّل".

والمتأثّل -بمثنّاة، ثم مثلّثة مشدّدة، بينهما همزة: هو المتّخذ، والتأثّل اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم، وأثلة كلّ شيء أصله، قال امرؤس القيس [من الطويل]:

وَلَكِنَّمَا أَسْعَى لِمَجْدٍ مُؤَثَّلِ ... وَقَدْ يُدْرِكُ الْمَجدَ الْمُؤَثَّلَ أَمْثَالِي

واشتراط نفي التأثّل يُقوّي ما ذهب إليه من قال: المراد من قوله: "يأكل بالمعروف" حقيقة الأكل، لا الأخذ من مال الوقف بقدر العمالة. قاله القرطبيّ.

وزاد أحمد من طريق حمّاد بن زيد، عن أيوب، فذكر الحديث، قال حماد: وزعم عمرو بن دينار أن عبد اللَّه بن عمر، كان يُهدي إلى عبد اللَّه بن صفوان من صدقة عمر - رضي اللَّه عنه -. وكذا رواه عمر بن شبّة من طريق حماد بن زيد، عن عمر (?). وزاد عمر بن شبّة، عن يزيد بن هارون، عن ابن عون في آخر هذا الحديث: "وأوصى بها عمر إلى حفصة، أم المؤمنين، ثم إلى الأكابر من آل عمر"، ونحوه في رواية عبيد اللَّه بن عمر عند الدارقطنيّ. وفي رواية أيوب، عن نافع عند أحمد: "يليه ذوو الرأي من آل عمر"، فكأنه كان أوّلاً شرط أن النظر فيه لذوي الرأي من أهله، ثم عيّن عند وصيّته لحفصة، وقد بيّن ذلك عمر بن شبّة، عن أبي غسّان المدنيّ، قال: هذه نسخة صدقة عمر، اْخذتها من كتابه الذي عند آل عمر، فنسختها حرفًا حرفًا: "هذا ما كتب عبد اللَّه عمر أمير المؤمنين في ثمغ، أنه إلى حفصة، ما عاشت، تُنفق ثمره حيث أراها اللَّه، فإن تُوفّيت، فإلى ذوي الرأي من أهلها".

فذكر الشرط كله نحو الذي تقدّم في الحديث المرفوع، ثم قال: "والمائة وسق الذي أطعمني النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، فإنها مع ثَمْغ على سَنَنه الذي أمرت به، وإن شاء وليّ ثمغ أن يشتري من ثمره رقيقًا يعملون فيه فعل، وكتب مُعيقيب، وشهد عبد اللَّه بن الأرقم". وكذا أخرج أبو داود في روايته نحو هذا، وذكرا جميعًا كتابًا آخر نحو هذا الكتاب، وفيه من الزيادة: "وصرمة بن الأكوع، والعبد الذي فيه صدقة كذلك".

وهذا يقتضي أن عمر إنما كتب كتاب وقفه في خلافته؛ لأن مُعيقيبًا كان كاتبه في زمن خلافته، وقد وصفه فيه بأنه أمير المؤمنين، فيحتمل أن يكون وقفه في زمن النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - باللفظ، وتولّى هو النظر عليه إلى أن حضرته الوصيّة، فكتب حينئذ الكتاب. ويحتمل أن يكون أخر وقفيّته، ولم يقع منه قبل ذلك إلا استشارته في كيفيته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015