والنَّهَر -بفتحتين لغة، والجمع أنهارٌ، مثلُ سبب وأسباب، ثم أُطلق النهر على الأخدود، مجازًا؛ للمجاورة، فيقال: جرى النهر، وجفّ النهر، كما يقال: جرى الميزاب، والأصل جرى ماء النهر. انتهى (فَشَرِبَتْ مِنهُ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ تُسْقَى) بالبناء للمفعول: أي لم يرد صاحب الفرس أن يسقي فرسه الماء (كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ) أي فإذا كان هذا حالَهُ مع عدم الإرادة، فاستحقاقه كتابة الحسنات مع الإرادة يكون من بابٍ أولى. قال النوويّ: هذا من باب التنبيه؛ لأنه إذا كان تحصل له هذه الحسنات من غير قصد، فمع القصد أولى بإضعاف الحسنات انتهى (?).
وقال السنديّ. وهذا لا يخالف حديث "إنما الاعمال بالنيّات"؛ لأن المفروض وجود النيّة في أصل ربط هذه الفرس، وتلك كافية. انتهى (?).
(فَهِيَ لَهُ أجْرٌ) أي سبب لحصول الأجر العظيم، فالتنوين للتعظيم (ورجُلٌ رَبَطَهَا
تَغَنِّيًا) -بفتح المثنّاة، والمعجمة، ثم نون ثقيلة مكسورة، وتحتانيّة-: أي استغناء عن الناس، تقول: تغنّيت بما رزقني اللَّه تغَنّيًا، وتغانيت تغانِيًا، واستغنيت استغناءً: كلها بمعنى (وَتَعَفُّفًا) أي عن السؤال، والمعنى أنه يطلب بنتاجها، أو بما يحصل من أُجرتها ممن يركبها، أو نحو ذلك الغنى عن الناس، والتعفّف عن مسألتهم. وفي رواية سهيل، عن أبيه عند مسلم المتقدّمة: "وأما الذي هي له ستر، فالرجل يتّخذها تعفّفّا، وتكرّمًا، وتجمّلًا".
(وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي رِقَابِهَا, وَلاَ ظُهُورِهَا) قيل: المراد حسن ملكها، وتعقد شبعها، وريهّا، والشفقة عليها في الركوب، وإنما خصّ رقابها بالذكر؛ لأنها تستعار كثيرًا في الحقوق اللازمة، ومنه قوله سبحانه وتعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، وهذا جواب من لم يوجب الزكاة في الخيل، وهو قول الجمهور. وقيل: المراد بالحقّ إطراق فحدها، والحمل عليها في سبيل اللَّه، وهو قول الحسن، والشعبيّ، ومجاهد. وقيل: المراد بالحقّ الزكاة، وهو قول حمّاد، وأبي حنيفة، وخالفه صاحباه، وفقهاء الأمصار. قال أبو عمر: لا أعلم أحدًا سبقه إلى ذلك. ذكره في "الفتح" (?).
وقال النوويّ في "شرحه": استدلّ به أبو حنيفة على وجوب الزكاة في الخيل، ومذهبه أنه إن كانت كلها ذكورًا، فلا زكاة فيها، وإن كانت إناثًا، أو ذكورًا وإناثًا وجبت الزكاة، وهو بالخيار، إن شاء أخرج عن كلّ فرس دينارًا، وإن شاء قوّمها، وأخرج ربع